من ضيق الجغرافية في أزقة المخيمات إلى فضاء القلوب الواسعة التي اُعجبت حد الدهشة بجرأتها، ومن حيث لا يعرفها أحد إلى حيث لم يعد يجهلها أحد في غزة.
خرجت فاطمة الزطمة ابنة 24 ربيعاً وصاحبة الابتسامة الظريفة كالمضيفة لتصرخ في وجه الظروف بأعلى إرادتها: " YES I CAN"، رغم تيقنها بأن" محدش بيأكلها بالساهل "، مدركةً أن الحياة بحرٌ عميقٌ، فالتحقت بقسم ريادة الأعمال، فتعلمت، ثم افتتحت مشروعها المتواضع" It's Me هذا أنا " لتطل من خلاله على الحياة بمنطق الطموحين لحياةٍ لا يكون أقصى أمانيها رغيفُ خبزٍ قد يأتيها أو لا يأتيها، وأتقنت الإنتاج حتى صار الزبائن يأتونها من كل حدب وصوب.
ذهبتُ حيث تبيع فاطمة " البوظة" الساعة الحادية عشر ليلاً فوجدت المكان صغيراً ومتواضع الإمكانيات، ووجدتها انسانة ذات ملامح طفولية تتفاعل مع المُقبلين على البوظة وتستقبلهم بابتسامة وبصوتها الطفولي، وتتحدث معهم كأنها تعرفهم، وبقيتُ تقريبا ساعة ونصف انتظر أن تنتهي لأبدأ الحديث، وسألتها وهي تجهز البوظة وعلى مسمع من الحاضرين عن دافعها لإنشاء المشروع؟
ردت أريد بناء نفسي بنفسي، وتوفير مصاريف الجامعة، وأتحدى الظروف، وأعيل أهلي الداعمين لي.
وعن المسافة الزمنية بين افتتاح المحل وبين أول زبون؟ قالت: 5 دقائق، وكانوا أطفال، أعجبهم المنتج، وعن شعورها ؟ فرحتُ جداً
وعن طموحها؟: أنوي تكبير المشروع والإنتقال لمكانٍ أفضل.
سألتها هل فريقك سيكون من حواء فقط ؟ قالت الإتقان معيار الأفضلية.
انتهى الحديث ولم ينته اعجابي بإرادة هذه الفتاة التي تعمل بلا كللٍ أو تعب، وأنا الذي تعبتُ جراء وقوفي الطويل عندها ريثما تتمكن من الحديث معي، وأدركت أيضا أن العوائق لا تكمن في المادة بقدر ما هي نفسية معنوية، ففاطمة كسرت حاجز الخوف من كلام البعض وفضولهم .
رجعت لمنزلي فسألت google عن معاني الأسماء، أجابني أن أصل اسم فاطمة في اللغة من مادة فطم، وهو فصل الولد ومنعه عن الرضاع، وإن من تحمل اسم فاطمة تتمتع بشخصية خلوقة ومسؤولة وتجيد تحمُّل أعباء الحياة، ف(بصمت له بالعشرة) لأن إجابته تتفق مع واقعها، فهي عضو في أُسرةٍ مكونةٍ من خمسةِ أفراد، والداها مصابان بجلطة، وكأني بها تمارس معنى إسمها على أرض الواقع حيث ترغب بالإنفطام والخروج عن مألوفات مرحلتها الزمنية من الإعتماد على الغير إلى الإعتماد على الذات وتبني شخصية عصامية.
تلك كانت قصة فاطمة، وأنا متأكدٌ أن لدينا الكثير أمثالها، وقبل أن أختم هذه القصة بقى لكم يا معشر الشباب نصيحة: لا تركنوا للظروف ولا تستيهنوا بأفكاركم واتخذوا من فاطمة قدوة تسيرون بها نحو المستقبل المشرق مهما كانت ضخامة المعيقات، وإعلمو أن من يتهيب صعود الجبال، يعش أبَدَ الدهر بين الحفرْ"، وتأكدوا أن فاطمة ستنجح في رحلة بحثها عن الأمل المنشود.