فلسطين أون لاين

كيف تبر والديك في حياتهما وبعد وفاتهما؟

...
غزة- مريم الشوبكي

أن تبر والديك ليس أن تهتم بالإنفاق على مأكلهما ومشربهما وتوفر لهم مأوى فقط، بل إن البر النفسي يفوق المادي، وسبله كثيرة، فاحرص عليه على قدر استطاعتك في حياتهما ولا تنقطع عنه حتى بعد وفاتهما.

الأشخاص يختلفون في طرق البر بآبائهم، فماجد بارود يرى أن البر هو أن تقوم بكل ما يحبه والداك، وإن أثقلا عليك، ففيه الأجر العظيم.

يقول بارود (45 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "أمي كانت مقعدة وتتنقل على "ووكر"، وكانت تحب أن تطبخ بنفسها رغم مرضها، لذا كنت أساعدها بتوفير مستلزمات الطبخة كلها، لكي أسمع منها كلمات الرضا والدعاء بالتوفيق والرزق".

ويتابع: "كنت إذا هممت بالخروج في نزهة مع أطفالي وزوجتي، أصطحبها معنا، وأختار مكانًا تستطيع فيه البقاء بالسيارة ورؤية البحر لأنها كانت تفضله كثيرًا، وأبتاع الشوكولاتة والشيبس والمكسرات التي كانت تحبها قبل أن أشتريها لأطفالي".

ويكمل بارود الذي يعمل مهندسًا معماريًّا: "أمي كانت أفضل من يعد طبق المفتول، فأصبحت زوجتي تصنعه وتوزعه على روحها، وأجمع إخوتي وزوجاتهم في بيتي كما كانت تفعل هي في حياتها".

ويشير إلى أنه ما يزال يزور صديقاتها في الحي الذي انتقل منه أخيرًا، ويتصدق على المحتاجات منهن، بنية أن يعود أجره لها بعد وفاتها منذ عامين.

أما شهيرة الغزالي (56 عامًا) التي تقطن في مدينة غزة فوالدتها أصيبت بمرض الزهايمر مدة عامين قبل وفاتها، كانت خلالهما تلعب دور الأم لها، لأنها كانت تفضل أن تناديها باسم جدتها "نعيمة" التي توفاها الله منذ 40 عامًا.

تقول الغزالي لصحيفة "فلسطين": "كنت الابنة الوحيدة لوالدتي التي ترملت قبل أن تبلغ 30 عامًا واستمرت في تربيتي مع أخوين لي ورفضت الزواج، وبعد مرضها أصبحت لا تتذكر أي أحداث جديدة وكانت تحدثني عن الماضي".

وتتابع: "كنت لا أفارقها أبدًا، وعاشت في بيتي حتى وفاتها، حيث كان أبنائي يساعدونني في رعايتها ولم نتركها وحدها، كنت أحرص على شراء العسل الغني بالمكسرات الذي كانت تفضله، وإن كانت قد نسيته، كنت أحرص على أخذها لزيارة أخوي وأحفادها لأنني كنت أرى السعادة في عينيها عند رؤيتهم".

ولا تنسى الغزالي فضل والدتها حتى اليوم، إذ وزعت كتيبًا بأذكار الصباح والمساء وبعض الآيات القرآنية ليكون صدقة جارية عنها.

البر النفسي

من جهته يرى رئيس مجلس إدارة مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات د. درداح الشاعر أن البر النفسي بالوالدين أهم من المادي، ويتجلى ذلك في إشعارهما بأنهما محط اهتمام جميع أفراد الأسرة، وأنهما لم ينتهيا من الحياة، ولا يزال لهما دور، وإن كبرا في السن وشاخ تفكيرهما.

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، يشير الشاعر إلى أن اهتمام الابن بالجوانب النفسية الأخرى بألا يضيق عليهما، ويصطحبهما في كل المناسبات، والنظر إليهما نظرة رحمة، وعدم تسفيه رأيهما، هذا من باب بره بأبويه.

أما الإشباعات المادية للأبوين فيبين أنها تتمثل في تقديم الطعام والشراب والمسكن والمأوى جزاء العطاء الكبير الذي قدماه، والإنفاق عليهما فلا يحتاجان إلى أي أحد.

ويوضح الشاعر أن إعلاء شأن الوالدين أمام الناس، واستشارتهما في كل صغيرة وكبيرة، وإن لم يؤخذ برأيهما؛ اهتمام بقيمتهما الاجتماعية، وحرص على استثمار وجودهما، لأنه طريق إلى الجنة.

ويدعو إلى تقديم كل ما يشعرهما بالراحة والسعادة، وإن كان تافهًا من وجهة نظر الأبناء، مضيفًا: "احرص على اصطحابهما لزيارة أصدقائهم".

ويقول الشاعر: "علينا أن نحب ما يحب أبوانا، ونكره ما يكرهان، لنرد إليهما جزءًا من المعروف، قدموا لهما الهدايا؛ فهي رمزية تشعرهما بأن دورهما لم ينته، وجاء دور أبنائهما لشكرهما على تحمل الصعاب ومشاق الحياة من أجل تربيتهم".

وبر الوالدين لا يتوقف حال وفاتهما، بل يجب مواصلته بنية أن يعود أجر أي عمل لهما، يستشهد بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، رواه مسلم.

ويذكر أن الدعاء بالرحمة والمغفرة للوالدين هو استمرار لبرهما بعد وفاتهما، والتصدق عن روحهما أيضًا، وود أصدقائهما وزيارتهم كما كانا يفعلان في حياتهما.

ويختم الشاعر: "من الصدقات الجارية طباعة مصحف، أو كتيب بأذكار الصباح والمساء، أو بعض آيات وسور من القرآن الكريم".