فلسطين أون لاين

غزة وأزمة الرواتب

قرار حكومة الحمد الله خصم نسبة كبيرة من رواتب موظفي غزة 30-50% دون إنذار أو تنويه أوجد واقعاً صعبًا، تبدو معه غزة حزينة غاضبة، تتشح بسواد داكن، ولسان حالها يقول: ارحموا غزة وأهلها، ولا تثقلوا كاهلها بمزيد من الأعباء والأزمات الإضافية والهموم والمشاكل المتجددة، وإن قرار الخصم المفاجئ على أبنائي ظالم، ويحتاج إلى مراجعات دقيقة، والوقوف الجاد عند عواقبه التي لا تقف عند حد الموظف العمومي وحده، وإنما تتعداه إلى أُسَرِهِم، وتأثير ذلك على النظام المعيشي المعتاد وفق سلم الأولويات, وسيطال الواقع قطاعات أخرى ويترك تأثيراته عليها، وأبرزها القطاع الاقتصادي، فحركة الأسواق والبيع والشراء شهدت كساداً ملحوظاً أثر تأثيرًا سلبيًّا عميقًا على كل روافد المدينة لتبدو أشبه بالخالية.


لا تضيفوا مشكلة جديدة قاسية ثقيلة الظل وعميقة التأثير على أهل غزة التي تعاني من أزمات لا تنتهي، ويجب على حكومة الحمد الله إعادة النظر في قرار الخصم من رواتب موظفي غزة، والإيفاء براتب كامل كما زملائهم في الضفة الغربية، دون أن يمس راتبهم وحقوقهم بسوء، وإن أرادت تطبيق قرار الخصم فلتكن عادلة وتطبقه على كل موظفي القطاع العام دون استثناء؛ فلا يعقل أن تتحمل غزة المأساة وحدها، تحت ذريعة أن الاتحاد الأوربي طلب ذلك.


إن كانت الحكومة تمر بضائقة مالية؛ فإن إجراءات عدة يمكن اتخاذها بعيدًا عن المساس المباشر براتب الموظف المغلوب على أمره.

غزة لا تستحق إلا كل ثناء وتقدير, ويجب إعادة النظر في كل ما يخصها من امتيازات أو ما يُتخذ من قرارات، كونها جزءًا أصيلًا من الوطن يعيش أبناؤه في ظروف استثنائية لا تطاق، وحقهم الطبيعي والمشروع أن يعيشوا عيشًا كريمًا في وطن يرزح تحت احتلال عنصري، علينا توجيه البوصلة نحوه لانتزاع حقوقنا المشروعة، وألا ننشغل في أزماتنا ومشاكلنا إلى الأبد، بل نسعى ونعمل جاهدين على تقديم حلول تعين المواطن الفلسطيني على الصمود في أرضه، وتكفل له حقوقه التي شرعتها القوانين _ومن ضمنها القانون الفلسطيني_ وأكدتها المواثيق والأعراف كافة.


وهنا دعوة جادة إلى الرئيس محمود عباس وحكومة الحمد الله لإعادة النظر في قرار خصم رواتب موظفي غزة العموميين، والوقوف الجاد عند العواقب القاسية لتنفيذ القرار المفاجئ دون سابق إنذار على واقع الحال في غزة، التي باتت ليلها حزينة وغاضبة وتتشح بالسواد حداداً على ما أصابها، غزة تستحق اهتماماً أكبر, وتستحق الحياة، وألا نتركها على قارعة الموت تواجه مصيرها المحتوم وحيدة منفردة, هي حتماً لن تموت وستبقى عنواناً للأمل مع معاناتها وأوجاعها ومأساتها، يوماً سيعيد لها البحر الأزرق بريق وجهها.


فالمواطن الغزي يعيش في ظروف قهرية صعبة واستثنائية، تؤشر على مزيد من الأزمات، لتصل إلى حد الكارثة الإنسانية التي تطرق بيدها الغليظة مناحي الحياة كافة، عشر سنوات من الحصار والانقسام كفيلة أن تترك آثارًا تدميرية ملموسة على مجمل الخدمات المقدمة لمواطني غزة، لا تيار كهربائي منتظم، والقطاع الاقتصادي يعاني شللاً واضحاً، يدفع ضريبته المواطن بفعل الانقسام وتجاذباته والحصار الجائر بقسوته وعنصريته، والأمر لا يختلف كثيراً عما تعانيه قطاعات حيوية ومهمة تطرق باب قطاع المياه والصرف الصحي المتصدع والبنية التحتية المتهالكة، مرورًا بقطاع الإنشاءات والبناء الذي يعاني بفعل القيود التي يفرضها الاحتلال على إدخال مواد البناء ومستلزماته الضرورية، ما أعاق إعادة بناء آلاف الوحدات السكنية والإنتاجية والصناعية التي استهدفها خلال اعتداءاته الدموية الهمجية بحق غزة، وتسبب ذلك بازدياد نسب البطالة والفقر، بعد توقف آلاف العمال والصناعيين والمنتجين عن العمل، وبقائهم بلا دخل مادي، ما فاقم من أوضاع قطاع غزة وزاد من مأساة أهله.


لا تنفصل هذه الأزمة عن مجمل الأزمات والإشكالات التي يشهدها قطاع غزة البائس، وساهمت في ارتفاع معدلات الفقر ونسب البطالة لأعلى معدلات لها خلال العقد الأخير، وليس انتهاء بانعدام فرص العمل لأفواج الخريجين الذين انتهى بهم المطاف في خانة البطالة والفقر المدقع، وتفشي المشاكل الاجتماعية المختلفة التي تضر بالنسيج الاجتماعي وتضرب به في العمق بقوة.

وأخيرًا طلت علينا مشكلة حقيقية أرخت بظلال ثقيلة داكنة تركت آثارها على عشرات آلاف الموظفين العموميين وأسرهم، بعد الخصم من رواتبهم التي هي بالأساس لا تكفيهم، وإنما تسد احتياجاتهم بالحد الأدنى، مع الوضع المأسوي الذي تعيش فيه غزة، وارتفاع حجم النفقات وتنوعها واختلافها، وغالباً لا يتبقى من راتب الموظف إلا القليل بعد تسديده مستحقات السلف والقروض المستدانة من البنوك والمؤسسات المالية الخدمية.