حتى كتابة هذه السطور لم يكن قضاة المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب قد أقرّوا بعد طلب المدعية العامة فاتو بنسودا بإقرار الشروع في تحقيق حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها دولة الاحتلال، سواء في العدوان الإسرائيلي على غزة في يوليو/تموز 2014 أم في سياق بناء المستوطنات الإسرائيلية ونقل "سكان" إسرائيليين لأراضٍ محتلة خلافًا للقانون الدولي. مع ذلك فإن حالة الترقب التي تنقلها باستمرار منذ مطلع الأسبوع الصحف الإسرائيلية المختلفة تشير إلى حجم القلق الإسرائيلي من قرار يؤيد الشروع في التحقيقات ويقرّ ولاية المحكمة على الأراضي الفلسطينية وما ارتكب فيها من جرائم ضد الإنسانية، من قتل وتشريد ومصادرة أراضٍ.
ويبدو أن دولة الاحتلال التي ترفض إلى الآن التوقيع على بروتوكول روما، والانضمام للمحكمة الجنائية، تعوّل بالأساس على الموقف الأميركي من جهة، وعلى بعض الدول الأوروبية، خاصة من كتلة دول الفيش غراد التي انضم عدد منها للمحكمة تحت مكانة "صديق للمحكمة الدولية" لإحباط قرارات محاكمات حقيقية لجرائم الحرب الإسرائيلية، لأن مثل هذه التحقيقات إذا بدأت لن تقف عند عدد محدود من الضباط، بل ستتعداهم إلى قادة أركان الجيش الإسرائيلي الحاليين والسابقين بمن فيهم بيني غانتس وغابي أشكنازي، وقادة عسكريون من جنرالات الجيش تبوؤوا في الماضي قيادة "المنطقة الوسطى" في جيش الاحتلال، بما يعني المسؤولية الرسمية عن كل ممارسات الاحتلال وسياساته في الضفة الغربية، ناهيك عن "مدنيين" ممن شغلوا مناصب رفيعة في "الإدارة المدنية".
الخوف الإسرائيلي من المحكمة الجنائية الدولية، ينبع بالأساس مما قد يجره القرار المرتقب، ويمكن لاحقًا من إسقاطه على جرائم إسرائيلية أخرى في سنوات سابقة، بما فيها تلك التي وقعت خلال العدوان الأبشع على غزة عام 2008 وحمل اسم "الرصاص المصبوب". إلى ذلك فإن قرارًا يجيز التحقيقات في الجرائم الإسرائيلية سيحد من "حرية" حركة جنرالات وضباط إسرائيليين في مختلف أنحاء العالم ويعيد وصمهم بجرائمهم، وحبسهم داخل دولة الاحتلال خوفا من محاكمتهم في الدول الأجنبية، خصوصًا التي تتيح تقديم مذكرات اعتقال ضد متهمين بجرائم الحرب، كما هو الحال في بريطانيا وبلجيكا ودول أخرى.
السؤال الأهم هو: هل أعدّ الفلسطينيون قائمة أو جمعوا معلومات عن الجنود والضباط والقادة العسكريين الذين تورطوا بجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، خصوصًا أن دولة الاحتلال أعدت باعتراف صحيفة "هآرتس" قائمة من 300 مسؤول إسرائيلي يمكن لقرار المحكمة الدولية أن يضعهم تحت طائلة المساءلة والمحاكمة.