الجريمة الإعلامية الأخيرة التي قارفتها قناة العربية ليست جديدة ولا مستغربة، إنما تليق بها تماماً وتنسجم للغاية مع نهجها الإعلامي، كبوق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وعرابة للثورة المضادة المناوئة لتطلعات الشعوب العربية، وقبل ذلك كعدوة مباشرة للقضية الفلسطينية ومقاومتها.
ثمة من استفزه الهجوم الذي طال قناة العربية بعد حملتها التشويهية الخرقاء ضد حماس وجهازها العسكري، فانبرى يقول :"لماذا اكتشفتم الآن فقط أن قناة العربية مشبوهة، بعد أن مسّت بحماس"، والحال أن هذا ادعاء متهتك، فنفور جمهور المقاومة الفلسطيني من قناة العربية قديم جداً، بل لعله رافقها منذ انطلاقتها، ومنذ موقفها المنحاز لأمريكا عشية احتلالها العراق، وسلوكها الإعلامي المريب تجاه مختلف الأحداث الفلسطينية، خصوصاً وهي تتعمد تصدير الرواية الصهيونية لهذه الأحداث، وخصوصاً الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، ومن خلال تجنبها إطلاق وصف (شهداء) على من يغتالهم الاحتلال، وتشكيكها المستمر بالمقاومة الفلسطينية، ثم وهي تصبح المنصة الإعلامية الأبرز للثورة المضادة في العالم العربي.
أما زيادة حدة سعارها مؤخراً فهي مرتبطة بالسياسات العامة المتعلقة بفلسطين لداعميها، وهي سياسات لم تعد تعادي حماس فقط، كما كان دأبها دوما، بل تتخذ موقفاً عدائياً من كل متعلقات القضية الفلسطينية، وتشكك بأصول الحق الفلسطيني، وتستعير دعايات صهيونية صرفة، في سعيها المحموم للتطبيع مع كيان الاحتلال وتلميع وجهه ونيل مباركته، وإقحامه على الوعي العربي ككيان طبيعي لا ضير من تقبّله والتعايش معه.
حاولت قناة العربية منذ نشأتها أن تكون منافسة لقنوات إعلامية تحظى بمتابعة واسعة بين الجمهور العربي، وخاصة قناة الجزيرة، لكنها أخفقت وفشلت بامتياز، ذلك أن كنه أجندتها ظلّ يلوّن سياستها الإعلامية، ويتسرب إلى كل تغطياتها وصياغاتها الإخبارية، ويظهر في اجتزائها الخبيث للتصريحات والمواقف، وفي تقديمها صورة ناقصة لكل حدث، وفقاً للزاوية التي تخدم نهجها، فأحرقت صورتها بنفسها لدى قطاع واسع من الجمهور العربي.
ما يهمّ الجمهور الفلسطيني خاصة والعربي عامة من معلومات حول المقاومة الفلسطينية لن يتطلع للحصول عليه من قناة مثل العربية، ذلك أن الجهود الأمنية العالية للمقاومة في محاربة العملاء ومنع اختراق صفوفها وكشف أية ثغرة متعلقة بذلك معروفة، فبفضل جهاز الأمن التابع لحماس باتت غزة بيئة نظيفة أمنيا، فزادت صعوبة محاولات مخابرات الاحتلال في اختراق جبهتها، وباتت المتابعة ومعالجة الثغرات أسهل على حماس بذراعيها الأمني والعسكري.
ومهما كان صراخ قنوات إعلام الثورة المضادة عالياً فإن هذا لن يجعل خاصرة المقاومة رخوة ولا ظهرها مكشوفا، كل ما سيفعله فقط أنه سيجفف ما تبقى من رصيد في المصداقية لدى هذه الأبواق، ويعرّي المزيد من زيفها، ويديم تذكير عموم الجمهور بمنطلقاتها وحقيقة دورها، وخواء ما تقدمه من الفائدة والمنطق والمهنية.
ستظل قناة العربية ومثيلاتها مدرسة، إنما في أصول التزييف وتلوين الحقائق واجتزائها، واختلاق الأخبار وتغليفها وإخراجها محاطة بهالة من الضباب، لا تحجب الرؤية إلا عن عيون المغفلين، ومن لديهم مسبقاً أرضية نفسية وأخلاقية متهاوية تتيح لهذه البضاعة أن تجد من يشتريها ويعيد تدويرها.