فلسطين أون لاين

يا ظلام السجن خَيِّم

بين فصاحة البيان، وثورة الثيران.!

إن ثورات المظلومين زلازل وبراكين.. إنما تعبر أصدق تعبير عما تختزنه صدور وضمائر ووجدان المظلومين عما حاق بهم من ظلم وجور؛ حتي لا يأبهوا بما يواجهون من بطش وتدمير وخراب ديار..

إنما يقودها المؤمنون الصادقون، الذين لا ينثنون أمام لومة لائم، أو متردد، أو جبان ؛ناهيك عن الخونة فاقدي الذمة والأخلاق والضمير..

ترى؛ هل هناك أقدس وأطهر من غضب وهياج، سمها "ثورة" إن شئت ضد من اغتصبوا الديار، وبطشوا بأهل الدار، وشرودهم في كل فجاج الأرض، ليعيثوا في ديارهم، ويحرمونهم من أرزاقهم غير آبهين لمصيرهم؛ يحيون أم يموتون يهيمون في معمور أم تيه!

أعاقل أم ماذا من يسكت علي وضع كهذا؟!

لاشك؛ إنه حكيم حتى لو كان طفلا رضيعا.. وهو مؤيد بالحق في كل الشرائع السماوية، والشرعات البشرية، وأن من لا يؤمن بهذا ليس له إلا أن يكون كافرًا دينا، وعديم أخلاق وليس جديرًا بالحياة حتي مع الحيوانات والآفات؛ وموطنه المزابل والمستنقعات.

بلا تاريخ ولا حياة..

 لقد أكدنا -نحن الشعب الفلسطيني- على حقنا في وطننا فلسطين كاملة بدون نقصان؛ وليس من حجة لليهود الصهاينة على أحقيتهم فيها، لا تاريخيا ولا اجتماعيا ويشهد معنا كل أحرار العالم بذلك.

وإن اقتلاعنا منها منذ نكبة 1948، ما هو إلا جريمة وسفالة غذتها الإمبريالية البريطانية الباغية وشركائها وخلفائها فيما بعد، وحتى اليوم، متمثلين بدولة الولايات المتحدة الأمريكية الصهيونية..

اثنان وسبعون عامًا، والعالم يشهد على مأساتنا، ولا يحرك ساكنًا.

إنه الضمير العالمي!

ساكت.. أخرس.. في سبات عميق..

 إنها القوة الباغية التي قهرتنا في أكبر تحدٍ لحقوق الإنسان والشرعة الدولية..

 كل هذا مؤكد وموثق.. وعليه فإن الثورة على وضع كهذا لا بد أن تنفجر والسماء تباركها ولكن بالسواعد المؤمنة، والإرادة والإدارة الرشيدة؛ وبعيداَ عن "الهيلمات" والعنطزة والعنتريات..

 أجل؛ من البديهي ألا تكون إمكانات الثورة بمستوى إمكانات العدو..

لكن سلاح الإيمان بقدسية القضية وعدالتها مع حكمة وإرادة القيادة، يكفي لفتح الأبواب في وجه الثورة وتسليحها وتمويلها، وتأييدها.

 وهكذا؛ يمكن أن تستظل الثورة والثورات بشعارات، وصيحات، وتهاليل الانتصار، أو الاستمرار في ركابه حتى المنتهى المأمول.. النصر والتحرير وعودة الحق..

 ولطالما تنادى المجاهدون والثوار، وجماهير الثورات، بكل ما يؤجج نار الثورة واشعال حماس الجماهير، وبعث آيات الانتصارات عبر التاريخ، ونحو مستقبل واعد..

 وفي هذا الجو العابق بعطر الشهادة والشهداء تتقاطر قوافل الجهاد توكد بكل قوة وعنفوان بأناشيد وأهازيج المقاومة، تهز الأرض وتزلزلها تحت الأعداء؛ تصرخ:

يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلاما

والله أكبر

الله أكبر

الله فوق المعتدي...

تتحدث الوقائع التاريخية، منذ أقدم الأزمنة، أن الأرض لأهلها؛ طال زمن اغتصابها أم قصر، طالما أن أهلها تمسكوا بها، ورفضوا الاغتصاب والعدوان..

 وبعد؛ فإن اللص والسارق والغاصب والمجرم، وما إلى ذلك بعيدون عن الأخلاق والمثل والقيم، ولا يعرفون إلا لغة القوة لردعهم، واسترداد ما اغتصبوا، وخربوا وعثوا فسادًا..

 ثم إن أجواء المغالطات والأكاذيب والتزوير، يمكن أن يتسلح بها العدو فيعمي على جريمته، ويطمس معالمها وشواهدها، ما يوجب التصدي له على هذا الصعيد سياسيًا، وإعلاميًا ودعويًا.. للرد على هذه الأحابيل والترهات، ولغة الرصاص تتكلم..

 لا مجال لمفاوضات والبنادق في المخازن والمجاهدون في استراحات أو هدنات!

هنا قد تتعثر الثورة!

 قد يعتريها الترهل وإدمان الارتخاء، والوقوع في أحابيل المماطلات من جانب العدو، أو أعوانه أبعدين أو أقربين..

 هنا يتحتم على الثورة، أن تجدد نفسها، وأن تراجع حساباتها وسن اسلحتها على الصعد كافة..

 الثورة الفلسطينية في الميزان..

 لقد ارتكزت ثورتنا الفلسطينية على أرضية أن فلسطين هي وطن الشعب الفلسطيني، إذا ما أغفلنا مؤامرة سايكس –بيكو 1916 التي سلخت فلسطين عن ولاية سورية، حتى يسهل تطبيق وعد بلفور 1917؛ ومن ثم إقامة دولة الكيان الصهيوني منذ 1948 وإلى يومنا.. وإن ثورتنا قامت لتأمين تحريرها من البحر المتوسط غربا إلى نهر الأردن شرقا..

 إنها منذ 1967 محتلة من قبل دولة الكيان الصهيوني بالكامل، وما قامت منظمة التحرير الفلسطينية والحركات الفدائية إلا لتحريرها بالكامل، واعادة ابنائها اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم عما فقدوا..

طبعًا؛ لم يكن هنالك من فراغ سياسي يؤطر حقوق الشعب الفلسطيني قبل قيام منظمة التحرير الفلسطينية 1964 في مهاد مؤتمر القمة العربية الأول في القاهرة.. إنما كانت هنالك في فترة ما قبل مؤتمر القمة الآنف الذكر- كانت الهيئة العربية العليا لفلسطين، التي أقرها مؤتمر قمة أنشاص عام 1946 برعاية الملك فاروق ملك مصر والسودان، وإلى جانبها حكومة عموم فلسطين التي تم تشكيلها في غزة عام 1948 برئاسة أحمد حلمي عبدالباقي رحمه الله وقد فرض عليهما الانتقال إلى القاهرة للعمل منها؛ وذلك عقب تولي الإدارة المصرية إدارة قطاع غزة؛ وقد كانت تسمى :"المنطقة الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين" بإدارة حاكم عام، وحكام إداريين في المناطق التابعة. وتتبع هذه الإدارة لقسم فلسطين في وزارة الحربية، في القاهرة، في العهدين الملكي والجمهوري..

 هنالك تفاصيل كثيرة ومهمة لا يهمنا الخوض فيها في مقال موضوعة الثورة الفلسطينية، ومجريات الأحوال، التي تفرض على الثورة النهوض بمهامها بقوة واقتدار..

 إن الحركات والتنظيمات الفلسطينية التي تؤطرها منظمة التحرير، والتي تنضوي تحت جناحها؛ لا تعمل بوثاق ووئام، أو بدرجة قوية من التنسيق كما ينبغي؛ الأمر الذي جعل الثورة الفلسطينية في تجاذبات واختلافات، تعيق العمل الثوري في القيام بمهامه نحو مجابهة العدو والتحرير..

 الكل في فلسطين ثوري وثائر؛ لكن التشعبات والانقسامات وغيرها، تبعثر الجهود والقوى والامكانات وتبدد الآمال والتمنيات!

عثرة أوسلو..

 لعل فريق أوسلو قد أخذ بالقضية الفلسطينية نحو اسكندنافيا، وبلاد الفايكنغ، وفي السر، وبعيدًا عن المنظمة، وجسم وعقل "الثورة"!

 ومن نافلة القول أن نردد المبررات التي تدفقت كالسيل العرم لتسويق أوسلو! يمنون الشعب الفلسطيني بجعل غزة والضفة هونغ كونع، وسنغافورة وغيرهما من حقن التخدير والإلهاء..

 وها قد وصلنا إلى جدار صلب بعد أكثر من ربع قرن، بلا جدوى ولا أمل يقربنا ولو بوصة واحدة من أمانينا في التحرير وعودة شعبنا إلى دياره..

 لقد اختطفت ثورتنا في ليلة حالكة الظلمة، واصبح منع ضم 30% من أرض الضفة، والغور أقصى أمانينا!

 يذكرني هذا الحال بقصة "ثورة الثيران" ذلك أن الثيران قررت أن تثور على وضع العذاب في الأعمال الشاقة وانتهاء بالذبح.. فجاء ثور يتوقد حماسًا وشعرًا؛ "وجعر" وزمجر قائلًا!

 وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق..

 وهكذا ألهب حماس الثيران فاخترنه قائدًا للثورة، وقد سرن وراءه وهو يردد شعارات التحرير، والثيران "تبرطع" معه، حتى وصل إلى جدار صلب فنطحه الثور القائد باعتباره جدار الحرية، وأخذت الثيران تنطح معه حتى تكسرت قرونها وسالت دماءها إلى أن انفتحت فجوة في الجدار، ظنت الثيران أنها فجوة الخلاص فاندفعت الثيران من خلالها عسى أن تكون مهد الحرية، فلما تلفتت حولها فإذا بها في وسط المسلخ

 أسف جدًا على الاستشهاد بهذه القصة.. لكنه القرف والملل من كثرة المماطلات والالتواءات والعنطزات بين الأطراف المعقود عليها الأمل..

 نعم؛ إنه شيء مفرح أن تقوم قيامة شعبنا والشعوب العربية وغير العربية لرفض ما يسمى بقضية ضم 30% من مساحة الضفة الغربية والغور للكيان الصهيوني، وكذا لرفض نقل عاصمة الكيان إلى القدس!

 عجبًا؛ هل هذه هي القضية؟!

أين هي فلسطين من النهر إلى البحر؟! أين حق العودة إلى ديار فلسطين؟!

 أيها الثوار وأنصار الثورات ورعاة حقوق الإنسان "والحيوان"..

إنه الضم إلى مضموم، يعني إلى محتل منذ 72 عامًا، وما تبع ذلك من تشريد وتهجير وخراب وغيره..

 هل تنتهي هذه المشكلة إذا توقف الضم أو تأجل؟!

 ليت هذه "البرطعة" والهرولة نحو إلغاء الضم تتحول بكل الجماهير الفلسطينية والعربية، وأنصار الحرية أن "يبرطعوا" لاستئصال الورم الاكبر.. احتلال فلسطين، والافتئات على حقوق أهلها، الذين شردوا وهاموا في كل فجاج الأرض بين البحار والصحاري والبراري، وديار اللئام في بلدان الحضارة والبداوة وما بينهما من البلاقع و العمران!

إلى قياداتنا ومفكرينا..

 كفى عذابا؛ والتواءً وتملصًا يامن تهرطقون وتتهربون عن تحمل مسئولياتكم كالرجال..

 الثورة لا تكون إلا بالمقاومة والسلاح؛ لا بالتشدقات والاحتجاجات والمسخرات، وإذا كان لا بد من ذلك فلتكن بألسنة فصيحة وبعقول نيرة مؤمنة لا تهمل صغيرة ولا كبيرة.

 أما أنتم أهل الفكر والحصافة والعبقرية فلتكونوا النبراس الذي يضيئ الطريق في التربية الوطنية بسلاح الأخلاق القويمة والقيم والمثل والفضيلة ؛ بعيدًا عن بريق الدولارات، وأهل الدولارات..

وأخيرا وليس آخر أقول:

كفنوا روعة الشمس والبسوا ألوان الحداد إني لأرى ألف نصر من جراح الجيل باديًا.