فلسطين أون لاين

العقرباوي.. حكواتي يحمل تراث الماضي لجيل المستقبل

...
رام الله-غزة/ هدى الدلو

الحكايا والتجوال رئتا الحكواتي حمزة العقرباوي اللتان يتنفس بهما، حيث إنه لا يتخيل نفسه من دون ممارستهما، خاصة أنهما وطدتا علاقته بالموروث والأرض والحكايات المرتبطة بهما، فأثقلته المسئولية في وقت مبكر وحملها، وأصبح مرافقًا لوالده في زراعة الأرض والعمل بها، فنسجت بينهما علاقة حب نسجها في حكاياته.

العقرباوي حكواتي فلسطيني متجول، مُهتم بجمع الموروث الشعبي وما ارتبط بالحياة اليومية في فلسطين، من أمثال وأهازيج ومعتقدات شعبية، ومُنظِّم لجولات معرفية في الأرض الفلسطينية لربط الإنسان بالجغرافيا، وعضو في إدارة فريق تجوال سفر.

يعرف العقرباوي نفسه بأنه فلاح من قرية عقربا قضاء نابلس، مواليد 1984م، يعمل ويقطن حاليًا في مدينة رام الله .

عاد بمراسلة صحيفة "فلسطين" إلى ما قبل 1993، وحينها كان يولد الطفل فلاحًا حيث يرضع ممارسة الفلاحة منذ الصغر، "فهكذا وعيت نفسي على الدينا، حيث لا يغيب عني موسم حصار القمح وجمعه ودرسه وتعبئته في الأكياس ونقله وتخزينه، ولا انسى أيضًا رعي الأغنام في العطلة الصيفية".

وبدأ العقرباوي يعي لحكايات أجداده في موسم قطف الزيتون، وهو موسم الفلاحين، فرغم تعبه ومشقته إلا أن أجواء البهجة والفرحة والروح والحياة كانت تغلب على أبناء القرية، "فأتذكر تفاصيل تلك الأيام من لحظة نهوضي من الفراش، وذهابي للأرض على ظهر الحمار مع عائلتي، والافطار الجماعي والشاي على النار، وطريف قصص الكبار".

ويعتقد أن "الجينات تلعب دورًا بما هو عليه الآن"، حيث أنه حفيدٌ لرجل كان مرجعًا للحكايا والأخبار وما يتصل بتاريخ القرية، ومنه ورث هذه الجينات التي عززها له والديه بأمثالهم وسردهم وحكاياتهم.

وكان العقرباوي ينصت لحديث جده وحركاته وهو يحكي لناس قصصًا عن تجاربه في الحياة، وحدود الأراضي، وتاريخ القرية، مما جعل عنده ميول فطري للاهتمام بالاستماع للكبار بأدب وإنصات دون مقاطعة.

ويقول لصحيفة "فلسطين": "بدأ مشروعي المرتبط بالحكايات في 2006م، حين بدأت بجمع حكايات وعادات وأشياء تخص القرية التي ولدت فيها لأجل عمل شيء عنها، فأجريت عشرات المقابلات مع كبار السن نشرت بعضها في مقالات وابحاث، وهذا الجهد بدأ يتدحرج ككرة ثلج ليزداد الاهتمام به، وكان هذا أول احتكاك لي كمهتم بجمع وتوثيق الحكايات والقصص مع الرواة وساردي القصص والأخبار في القرية".

وآمن العقرباوي بمقولة "موت رجل كبير بمثابة إحراق مكتبة"، فمنه يتعلم الإنسان دروس الحياة وتجاربها وقصصها خاصة أنه مصدره الأول، ثم تليه الكتب والأبحاث والمجلات والمراجع التاريخية التي يندفع لاقتنائها، ويملك مكتبة "عظيمة" في التاريخ والتراث وعادات الشعوب وأمثالها، "ولدي أرشيف وثائق يزيد عن 100 ألف وثيقة، تغطي فترة زمنية أكثر من 150 سنة".

وفي 2009 بدأت أولى جولاته برفقة أصدقائه في القرية، وهو يحمل في جعبته الحكايا، حيث يسرد تاريخ وجغرافيا المنطقة، ويملئ فراغهم أحيانًا بطرائف من الحكايات الشعبية.

وآمن العقرباوي بشعار تجول بالأرض تمتلكها، فيسير مع فريق تجوال سفر وينادون بأناشيدهم (حب الأرض وغنيها، غنيها بتغنيها وأحلى أرض بكل الأرض، الأرض اللي بنمشي فيها)، ويشير إلى أن هذا التجوال ليس رحلة أو سياحة، بل جولة معرفية تقوم على بناء علاقة بين الأرض والناس.

ويضيف: "بالتجوال نعزز قيم منها الضيافة والتطوع والمبادرة الذاتية، ولا يتم تمويل الجولات، بل على نفقتي الخاصة، لأني أؤمن بقيمة الوطن وقيمة ما نفعله للوطن".

الموروث الشعبي

ويركز في حكاياته على البعد الجغرافي والتاريخي المرتبط بالأرض ورسالتها، وذات الموروث الشعبي، وبات يسردها مباشرة للجمهور بعيدًا عن المنصات والقاعات، بل في الأماكن العامة والجبلية، ويجمعها ويسجلها.

ويوضح العقرباوي بأن للحكاية دور ووظيفة نبيلة، ولها أبعاد تربوية وإنسانية عميقة، ورسائل تسهم في بناء المجتمع الفاضل وتعزيز الهوية الجماعية.

لديه العديد من الكتب والأبحاث المنشورة ككتاب عن سيرة إمام البلدة في عقربا (إطلالة المنبر)، وهناك دراسات لم تنشر والتي تتحدث عن الفلاحة وعادات القرية والاولياء ومقاماتهم وغيره.

يتابع: "كحكواتي ومهتم بالتراث أمام تحدي حقيقي، علينا أن نحمل التراث بروحه ونمضي به إلى عالم الحداثة، وليس مجرد حكايات وقصص من الماضي، فأنا حلقة وصل او جسر عبور ينبغي له أن يكون آمنًا ومريحًا وموثوقًا، كي يعبر من خلاله الناس إلى هويتهم وتراثهم وماضيهم، وإن لم نكن كذلك فلن نخدم التراث".

ولابد من الوعي بالتراث وبيئته وطبيعته ورسالته، "الإنسان عدو ما يجهل ولا يمكن لجاهل بقيمته أن يحسن التعامل معه، وللحكاية دور مهم لأنها إحدى الفنون التراثية الفلسطينية، خاصة التي تتعلق بالمواقع الجغرافية، والشخصيات وهويتهم وملابسهم وطعامهم، وتحمل نكهة الأرض وتفاصيلها".

وينبه العقرباوي إلى أن ذلك يسهم في تحصين الذاكرة وأساس النضال مع الاحتلال الإسرائيلي، "فستأكلنا الضباع إذا فقدنا الذاكرة، فالاحتلال يسرق طبق الحمص وقرص الفلافل، والثوب المطرز والكوفية، ويسرق المواقع التاريخية والجغرافية وغيرها".

ويشير إلى أن الحكاية تدحض رواية الاحتلال، وتؤكد أن هذا هو تراث فلسطيني متأصل بتاريخ الوجود الفلسطيني وهويته، والحكاية متنوعة تتعلق بالأرض والإنسان والإرث والتراث والعادات والتقاليد والنضال، فهي جزء من أدوات النضال".

ويقول مراقبون: إن الأعوام الخمسة الأخيرة شهدت تحولا كبيرا في فن الحكاية حيث ارتفع عدد الحكواتيين إلى 30 في أرجاء فلسطين.

وطموح واهتمام العقرباوي مرتبط بتلك الهوية التي يؤمن بها، فلا يمكن أن يتخيل غده بعيدًا عن الحقول التي يعمل بها الحكايات والتجوال وحفظ الذاكرة الشعبية، "ولا يمكن لي كحكواتي ومهتم بالتراث أن انزع عني هذا الثوب الأنيق ثوب الأرض وفلاحتها، رغم أجواء المدينة وجلسات المقاهي وأضواء المهرجانات".

تنبض ذاكرته كلما هب موسم زراعي، أو رأى فلاحًا يحمل منجله وفأسه، فيشتاق للفلاحة كلما جاء موعد القطاف والحصاد.