واصلت قناة "العربية" ما تجيده منذ نشأتها في عام 2003، وهو التضليل وتشويه الحقائق، لكن الأمر تطوّر في الآونة الأخيرة وعلى نحو ملحوظ وخطير، إلى مستوى تبنّي قضايا وأطروحات تخدم في تناولها العدوّ المشترك للمنطقة والأمة العربية، وهو (إسرائيل).
حتى إنني صرت أتخيل ناطقيها والمسؤولين عن التحدث بلسان (إسرائيل) بالعربية، وأبرزهم "أفيخاي أدرعي"، يجلسون أمام الشاشة السعودية بسرور، على مشهد المذيعة الحسناء وهي تتلو أخبارا مكذوبة عن المقاومة الفلسطينية.
حلقات الكذب المتصلة وصلت في أحدثها إلى ادعاء "العربية" اعتقال عدّة أشخاص ينتمون للمقاومة بتهمة "التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي"، وهي أكاذيب نسبتها القناة إلى وزارة الداخلية في قطاع غزة التي نفت ذلك بشدّة.
لم تقدّم "العربية" الأسانيد التي تدعم ذلك، لكنها قدّمت أدلّة إضافية ومسندة على عدم مهنيتها، وأنها قناة وظيفية تمارس عادتها في ترويج الشائعات والأكاذيب، وتقدّم مضمونا يظهر كدعاية وليس إعلاما، وأثبتت أنها الجوقة العازفة لأوركيسترا الكذب.
وهذا ليس اكتشافا جديدا، بل نتيجة تحرص القناة على تأكيدها في كلّ مرّة ومع كلّ أكذوبة، وأصبحت سببا في نفور المشاهد العربي منها، وهذا ما أظهره استطلاع سابق أجرته "مؤسسة زغبي العالمية"، وهي شركة أمريكية تعنى باستطلاعات الرأي، بأن 9 في المئة فقط يتابعون قناة العربية كمصدر أول للأخبار في أغلب الأحيان.
وهذه النسبة أكدتها دراسة محكمة أعدتها "جامعة المعرفة"، وهي جامعة سعودية، ونشرت في عام 2017، وأظهرت أن نسبة مشاهدي "العربية" هوت إلى أقل من 2 في المئة بعد فرض الحصار على قطر. ويعزو أكاديميون إعلاميون هذا الهبوط إلى ما وصفوه بـ"عدم الإخلاص لمبادئ الإعلام".
تجاوزت القناة كل الخطوط الحمراء في آخر أكاذيبها، حين اقتربت من المقاومة الفلسطينية ونشرت افتراءات من صناعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهذا امتداد لموقف حاقد من القضية الفلسطينية يتفق مع الموقف والرؤية الإسرائيلية، فهي تتبنى الرواية الإسرائيلية، وتصف شهداءنا بـ"القتلى". وهذه الأخيرة كانت ولا تزال محط انزعاج دائم لنا ولكل الأحرار العرب، الذين بادروا في أوقات سابقة لإطلاق وسم يدين القناة ويتهمها بالتواطؤ، تحت عنوان "#أخطأت من شدّة_التصهين".
هذه المرّة، لم تخطئ القناة ويظهر أنها تقود حملة تشويه تنطلق من غرفة أخبار إسرائيلية، تهدف إلى المسّ بالمقاومة الفلسطينية، وهذا ما لا يقبل به كل فلسطيني وعربي أصيل، حين يتعلق الأمر بمحضن كرامتنا وخط الدفاع الأوّل عنّا جميعا، فليس كل كلمة تلائم كل أذن.
إن توقيت الحملة أيضا يشير إلى تناغم مع سياسات رسمية، خصوصا في ظل موجة التطبيع مع (إسرائيل)، وهو ما يعني منحها غطاء رسميا لتشويه المقاومة باعتبار ذلك، ضمن أهمّ أهدافها، أحد متطلبات صفقة القرن، ويجعل بالإمكان التنبؤ بعدم اكتفاء القناة بذلك، وصناعة الكذب مرّات أخرى.
لذلك حذّرت فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس من "حملة تضليل وتشويه" تقودها القناة مع أطراف إعلامية أخرى ضد المقاومة الفلسطينية، وأكدت أن الحملة تنسجم تماما مع سياسات الاحتلال ومخططاته، "ما يجعلها تقف مع الاحتلال صفا واحدا ضد شعبنا". وهذا ما لم يستغربه الشاعر الكويتي أحمد الكندري، الذي قال في تصريح له إن "الغريب هو ألا تقوم قناة العربية بهذا الدور".