فلسطين أون لاين

أستاذ العلوم السياسية في جامعة "تل أبيب" أمل الجمَّال لـ"فلسطين":

حوار قيادة السلطة مسؤولة عن تراجع الدبلوماسية الفلسطينية عربيًّا ودوليًّا

...
غزة- أدهم الشريف

قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "تل أبيب" الدكتور أمل الجمَّال: إن قيادة السلطة مسؤولة عن تراجع الدبلوماسية الفلسطينية كما تراجعت دبلوماسية منظمة التحرير إلى درجة لم يعد لهما تأثير في الساحتين العربية والدولية، مبينًا أن ذلك "منح (إسرائيل) فرصًا قوية لإنشاء وتقوية علاقات مع دول عربية في شمال إفريقيا، ودول خليجية أيضًا".

وأكد الجمال لصحيفة "فلسطين" خلال حوار صحفي عبر الهاتف، أن عدة عوامل استغلتها (إسرائيل) لتنفيذ مصالح لها في الساحة الإقليمية والدولية، وساهمت في فتح المجال أمامها لإقامة علاقات دبلوماسية تهدف إلى تفريغ القضية الفلسطينية من معانيها الأساسية.

عوامل سياسية

وأول هذه العوامل التي جعلت الوضع الفلسطيني الراهن "صعبًا وحرجًا جدًّا" كما يصفه الجمَّال، حالة الانقسام بين غزة والضفة الغربية المحتلة منذ منتصف 2007، وهي من الأسباب التي جعلت التعامل مع التحديات الراهنة تعاملًا غير صحيح.

وأكد أن الانقسام "يكرِّس الضعف الفلسطيني في كل الأحوال، وساعد (إسرائيل) في تحقيق ما تريد وإبقاء الفصل الدائم بين الضفة الغربية وغزة وتفكيك التواصل بينهما".

وأضاف: "إذا قارنَّا بين حراك القيادة الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، مع ما حدث في السنوات الأخيرة، نجد أن هناك فرقًا شاسعًا بينها".

وأشار إلى أن الأداء الفلسطيني الداخلي ضعيف، إلى درجة أن الوضع المادي للسلطة وعدم قدرتها على القيام بما هو مطلوب منها بوصفها سلطة يضعف موقفها أمام الجمهور الفلسطيني، مشيرًا إلى أصوات تتحدث عاليًا أن السلطة أصبحت غير قادرة على أن تساعدهم في إعالة عوائلهم أو القيام بما هو مطلوب منها تزامنًا مع الأوضاع الحرجة نتيجة تداعيات جائحة فيروس "كورونا".

ونبَّه إلى أنه رغم تغير المواقف والمقومات الدولية على مدار السنوات الماضية، فإن القضية الفلسطينية وبما أنها عادلة، لا يزال هناك إمكانية للحراك في دول مختلفة للحفاظ على ما حُقِّق في الماضي على الأقل؛ في ظل التدهور الحاصل بفعل الموقف الأمريكي "الجائر والمجحف".

وكان رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب، أعلن في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، ما تسمى "صفقة القرن" من داخل البيت الأبيض في واشنطن، بحضور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وقوبلت برفض فلسطيني وعربي ودولي واسع.

أمل الجمال


 

شخصيات متنفذة

وشدد الجمال -وهو مدير عام المركز العربي للحرية الإعلامية والتنمية والبحوث "إعلام" في أراضي الـ48- على أن إدارة أمريكا ظهرها لحقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس، والزعم بأن القدس عاصمة دولة الاحتلال، جاء نتيجة تنفذ شخصيات في الإدارة الأمريكية تسعى لخدمة (إسرائيل).

لكنه في الوقت ذاته رأى أن الواقع الديموغرافي يأتي لصالح الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، إلا أنه غير مفعل تفعيلًا كافيًا، وهذا مسؤولية قيادة السلطة المنشغلة في قضايا يومية وخلافات داخلية إلى درجة أصبحت فيها غير قادرة على تجاوز هذه الخلافات من أجل توحيد الصف والعمل المشترك في الساحة الدولية.

وتابع: "توجد نقاط التقاء ونقاط اختلاف، لكن لماذا لا تستغل السلطة نقاط الالتقاء؟ مع إرجاء نقاط الخلاف إلى مراحل مستقبلية".

وأكمل أستاذ العلوم السياسية في جامعة "تل أبيب": "كل حركات التحرر الوطني تعمل بهذا الشكل، وإذا وُجِد اختلاف بين القوى السياسية حول بعض الأمور فيمكن تأجيلها إلى حين تحقيق الاستقلال والبت فيها من خلال الدولة، لكن عدم أخذ هذا الموضوع في الحسبان تحول لنقطة ارتكاز أساسية في التعامل مع الواقع الراهن، والاحتراب الداخلي يؤزم الأمر ويضعف الموقف الفلسطيني كثيرًا".

وبشأن إمكانية الاستفادة من الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية، قال: إنه من الصعب جدًّا في الوقت الحالي التعويل على الموقف الدولي، إلا إذا حدث تغير في الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات المرتقبة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وفسر حديثه بأن خسارة ترامب المعركة الانتخابية المرتقبة نهاية 2020، على الأقل يمكن أن تعود بنا إلى المربع الأول؛ دولتين لشعبين.

وأضاف: "رغم إجحاف المعادلة بحق الشعب الفلسطيني، فإنه على الأقل يوجد حديث واضح عن إقامة دولة فلسطينية".

عملية الضم

وذكر أن عملية ضم الأغوار شرق الضفة الغربية المحتلة، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 48 "غير مستحسنة، ودون شك ستؤدي إلى تحول جذري في الساحة الدولية لصالح الموقف الفلسطيني، مع إمكانية إعادة اللحمة بين الأمريكيين والأوروبيين فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني والضغط على (إسرائيل) وإجبارها على عدم اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تحول دون حل الصراع بدولتين"، وهذا ما أكده سياسيون إسرائيليون في عدة رسائل موجهة لحكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو.

وأكمل د. الجمَّال: "يمكن التعويل على ذلك، لكن هذا سابق لأوانه ومن الصعب التكهن بكيفية رد المحافل الدولية على قضية الضم".

وتابع: "يجب أن نفرق بين الموقف الرسمي والموقف القانوني الدولي فيما يتعلق بالأراضي المحتلة سنة 67، وبين الوقائع على الأرض. (إسرائيل) لا تأخذ بالحسبان القانون الدولي وتحاول أن تصل إلى قاع الأرض بهدف الحد من إمكانات الحراك الفلسطيني مستقبلًا، وتستغل الفرصة من خلال الدعم الأمريكي للتأثير في الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في الإقليم".

وأشار إلى موقف دول الخليج عادًّا إياه متذبذبًا بين المصلحة الاستراتيجية المعادية لإيران، وبين التزامها الخجول نحو القضية الفلسطينية وحلها سلميًّا بإقامة دولة مستقلة".

وزاد في قوله: "بعض الدول عبرت عن موقفها تجاه عملية الضم، وأن ذلك قد يمس العلاقات مع (إسرائيل)، لكن واضح أنه توجد علاقات جدية جدًّا وحقيقية ومن الممكن أن تترجم إلى الساحة الدبلوماسية الرسمية في المستقبل مع دول خليجية".

"وهذا -من دون شك- يشكل خسارة واضحة للموقف الفلسطيني" كما قال الجمَّال.

تحريك الشارع

ولمواجهة مخططات الاحتلال والإدارة الأمريكية، أصبح مطلوبًا من السلطة الفلسطينية تحريكُ الشارع الفلسطيني والإسرائيلي والساحة الدولية كذلك تحريكًا متفاعلًا إيجابيًّا مع الحد من التصرفات أحادية الجانب ومحاولات فرض وقائع على الأرض، التي تنفذها (إسرائيل)، والعمل بكثافة في الساحة الدولية.

ونبَّه إلى أن حكومة الاحتلال الحالية لديها خلافات داخلية لا يستهان بها، متوقعًا أن تصبح عملية الضم "شيئًا رمزيًّا بما يشكل إسقاطات على الشأن الفلسطيني، لكن ليس بالحجم أو الكم الذي تخوَّفنا منه حتى الآن".

وركز الجمَّال على ضرورة تجاوز قيادة السلطة حالة الانقسام الفلسطيني، والوصول إلى تفاهمات مع حركة حماس في قطاع غزة عبر الحوار المشترك، والتفرغ لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية، وتحقيق أهداف مشتركة من شأنها تمكين الفلسطينيين من الوقوف في وجه انتهاكات الاحتلال في الأراضي المحتلة.

وأكد أهمية العمل المشترك بين الفصائل الفلسطينية، عادًّا الانقسام نقطة ارتكاز أساسية في ضعف الموقف الفلسطيني، ولا يمكن أن نعول على دول أخرى لنصرة قضية فلسطين ونحن ما نزال مختلفين داخليًّا، عادًّا أن "حالة الاحتراب الداخلية لا تعكس مسؤولية وطنية مشتركة ولا تعكس عملًا استراتيجيًّا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق أهداف أيٍّ من الأصوات الفلسطينية".