فلسطين أون لاين

​مقابر الأرقام .. جثامين ضائعة

...
غزة - أدهم الشريف

يبدأ رجائي أبو ميزر يومه بالدعاء لوالده الشهيد وينهيه بأمل العثور على جثمانه المحتجز لدى الاحتلال الإسرائيلي، منذ عشرات السنين.

كان رجائي يبلغ من العمر قرابة العام، حين استشهد والده صلاح أبو ميزر بنيران جيش الاحتلال الذي حرمه كما آلاف الأطفال الفلسطينيين من سند الأب وحنانه منذ نعومة أظافره.

تربى لدى جده وجدته والدي أمه التي تزوجت بعد استشهاد زوجها أبو ميزر، وبالطبع لاقى العديد من المصاعب بسبب الفقد، "إلا أنني فخور بوالدي.. يحدثونني الكثير عن بطولاته وشجاعته"، كما يقول.

أبو ميزر الذي كان عضوًا عسكريًا فعالاً في حركة فتح، مطلوباً للاحتلال ويرأس مجموعة من المقاومين، استشهد بعد اشتباك مسلح استمر 36 ساعةً في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، مطلع فبراير/ شباط 1971، وكان عمره آنذاك (31 عامًا)، حسب نجله رجائي لـ"فلسطين".

، لم تكتفِ قوات الاحتلال باستشهاده، فأسرت جثمانه في "مقابر الأرقام"، ورفضت كل المطالب العائلية بالإفراج عنه.

يضيف رجائي: "عرفت قصة والدي حين كبرت، كان من أوائل المناضلين الذين التحقوا بقوات الثورة الفلسطينية، وطلبت قيادة الثورة منه عبور الحدود والعمل على بناءِ قواعد عسكرية سرية لمقاومة الاحتلال".

"مررت بمواقف كثيرة كنت فيها بحاجة إلى والدي، لكن جدي وجدتي عوضا هذا الحرمان قدر استطاعتهما؛ ربياني تربية حسنة، وعلماني رحمهما الله أصول الحياة والأخلاق".

"كبرت وترعرعت وتزوجت، لكني لم أنسَ أن جثمان والدي ما زال أسيرًا لدى الاحتلال. لكن أن يقر الاحتلال بإضاعته أمر مرفوض".

مطلوب

ويوضح:" نفذ والدي عدة عمليات بمساعدة مقاومين آخرين، وتمكنت قوات الاحتلال لاحقًا من محاصرته ومجموعته القتالية في الخليل، واستشهد والدي واختطف جنود الاحتلال جثمانه. وبعد سنوات بدأت معركتي القانونية مع الاحتلال".

ومعروف أن الاحتلال يحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين ممن قاوموه، في ما يعرف بـ"مقابر الأرقام" انتقامًا منهم وعائلاتهم التي لا تنفك دومًا عن المطالبة بجثامين أبنائها، وتسعى بالطرق القانونية، وتضغط بالفعاليات الميدانية لاستعادتها.

لذلك قرر رجائي اللجوء إلى محكمة الاحتلال العليا (أعلى هيئة قضائية في الدولة العبرية)، وطالب عبر الحقوقيين بجثمان والده، وبعد 9 سنوات قررت الإفراج عن الجثمان.

لكن ضابط التحقيق الذي عينته المحكمة للبحث عن الجثمان ادعى أن سلطات الاحتلال لم تعثر عليه بزعم "عدم وجود بطاقات مسجلة بشكل منظم على القبور آنذاك"، بحسب رجائي.

وبذلك بات جثمان الشهيد أبو ميزر في عداد الأسرى الضائعين، ليس وحده فحسب، فهناك العشرات من هؤلاء لا تُعرف أماكن دفنهم، بحسب ادعاءات الاحتلال، ويثبت ذلك ما ادعته صحيفة "هآرتس العبرية"، مؤخرًا، أن الاحتلال فقد وضيع العشرات من جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا منذ عشرات السنين.

وتبين هذا الأمر من خلال رد نيابة الاحتلال لالتماس قدمته عائلات الشهداء للمحكمة العليا لتسليمهم جثامين 123 شهيدًا، وأعلنت أنها تعرف مكان دفن 2 منهم فقط، بحسب "هآرتس".

بينما يقول رجائي: هذا ليس ذنبي. ما أريده جثمان والدي حتى أواريه الثرى بما يليق به، والاحتلال يتحمل مسؤولية ضياع جثمانه وعدم العثور عليه.