الإنتاج العام الحالي مضاعف وقد يصل للمواطن بأسعار منخفضة
مساحات الأراضي الزراعية المزروعة بالعنب تبلغ 5450 دونمًا
معدل الإنتاج السنوي من العنب يبلغ 9 آلاف طن
إنتاج العنب يغطي 80% من احتياجات السوق
الزراعة: أدخلنا أنظمة مكافحة ومصايد حيوية ومنعنا الاستيراد
المزارع شلدان: يمثل لي "روحي" ومصدر رزق ثابت
غزة/ يحيى اليعقوبي:
تتدلى عناقيد العنب وكأنها تتباهى بجمالها الأخاذ وسحرها، وهي تزاحم بعضها بعضًا تحت شجرة متلألئة كماس من شدة الحر تحاول النزول للأسفل وملامسة الأرض، الأوراق الخضراء تفرد جناحيها حاجبة أشعة الشمس الحارقة عن العناقيد، إلا أن خيوط "القرص المتوهج" وجدت منفذًا لها بين أوراق متباعدة أخرى، فتتسلل بخجل، مواصلة طريقها نحو الحبات الخضراء لتزيدها نضجًا وتكسبها مزيدًا من اللون الأخضر قبل شهر من موعد قطفها.
على امتداد 30 دونمًا ما إن يدنو نظرك تحت معرشات كروم العنب حتى يبهجك المشهد وهي تتدلى متناسقة، على الأرض تنعكس خيوط القرص الأحمر على الرمال فيزيدها بريقًا مع انعكاس ظل العناقيد وأوراق العنب.
المزارع أشرف شلدان (50 عامًا) يقوم بدوريته الروتينية متفقدًا القطوف، يمسح بيديه على أحد القطوف وكأن هناك لغة مشتركة بين هذه الفاكهة والمزارع الذي يزرعها منذ 38 عامًا، انتقل إلى شجرة أخرى، قطع بعضًا من أوراق العنب ليأذن بدخول المزيد من أشعة الشمس، مع بدء موسم العنب، لأنها تمنح حباتها مزيدًا من النضج وتقرب موعد جنيها.
في أقصى جنوب غرب مدينة غزة، وأنت تسير نحو كروم العنب الخاصة بعائلة "شلدان"، ستمر من فوق تلة ترابية مرتفعة بممر ضيق، في الأسفل ترى أراضي واسعة تكسوها أشجار العنب، تأخذك المزيد من الممرات، وتفريعات الطرق بين مسالكها التي يعرفها المزارعون، فاحتجنا إلى مرشد يرافقنا.
على جانبي الطريق تجذبك العناقيد المتدلية وقد أصبح لونها مائلًا للاصفرار وجاهزة للقطف.
الساعة الثانية عشرة ظهرًا، القرص الذهبي يتعامد في قلب السماء، استقبلنا شلدان وأخذنا بين تلك الكروم، ليعرفنا أكثر إلى موسم العنب وكيفية الاعتناء به وحجم الإنتاج، بعد أن مسح عرقه من شدة الإرهاق والحرارة.
بعد أن انتهى من قص بعض الأوراق، يقول لصحيفة "فلسطين": "هذه الأرض مساحتها 15 دونمًا مزروعة بالعنب، وبجوارنا أرض لعمي مثل مساحتها مزروعة بالعنب، ويفصل بين الأرضين طريق وممرات، وحتى الآن العنب ليس جاهزًا للقطف إذ يحتاج إلى شهر آخر للنضج أكثر".
"حرب يومية"
هنا يخوض مزارعو العنب "حربًا" شبه يومية، مع الحشرات، وهذا ما يتطلب اعتناء خاصًّا بشجرة العنب، يشرح: "نعمل على مكافحة الحشرات، فمنذ بداية شهر نيسان (إبريل) بعد أن نزيل الأغصان غير الصالحة والزائدة من الشجرة، نرش أولى رشات الأدوية، ونعيد الكرة بعد 12 يومًا أخرى من الدواء نفسه، لمعالجة مرض البيضا".
ما "البيضا؟" نسأله، بعد أن حدق النظر في قطف عنب وعثر على بقعة صغيرة في إحدى الحبات، يجيب: "هذا المرض يجعلها تتفسخ، وإن بقيت أكثر يصبح هناك عفن بالقطف، وقد يمتد العفن إلى الشجرة كلها، وينتشر بالمنطقة المحيطة كلها، إن تركتها".
بعد رش دواء "البيضا" يرش المزارعون دواء للعفن، "أولًا بأول"، وقد يرشون ثماني مرات طوال العام؛ وفق قواعد وإرشادات علمية رسمية تضمن جودة الثمار.
علاقة شلدان بالأرض انتماء وتجذر بكل ذرة تراب فيها، فمنذ أن كانت سنه 12 عامًا يأتي هذا المكان، حتى طبعت الشمس أثرها على ملامحه الداكنة.
إنتاج مضاعف
يمرر يده اليمنى على جبينه ماسحًا قطرات العرق التي تبلله، وينتقل في حديثه إلى مرحلة الري: "أتدري؛ العنب لا يحتاج للماء كثيرًا، فقط نرشه من شهر مارس حتى منتصف إبريل أربع مرات فقط، ذلك أن جذور شجر العنب مغروسة في الأرض أربعة أمتار، وقد تعيش الشجرة عامين أو مئة عام حسب ما يعتني بها الإنسان".
يمرر يديه باتجاه الكروم، معلقًا بالعامية: "زي ما أنت شايف، عشان بعتني فيها؛ الخير كتير"، مضيفًا وهو يمسك قطفًا بيده: "حتى إن الإنتاج هذا العام مضاعف عن العام الماضي".
لماذا مضاعف؟، "لأن الشجرة كالإنسان تستريح من الحمل عامًا بعد آخر، فمثلًا هذا حملت ضعفي العام السابق، والعام القادم تحمل نصف ما حملته العام الحالي، لأن الشجرة تتعب من الحمل، كما أنها تتنفس مثل الإنسان، وإذا منعت عنها الشمس لا تحمل" يرد على السؤال بعد أن سار خطوات أخرى للأمام.
"العنب مشاكلة عديدة، وورقته حساسة، إلا أنه يمثل لي "روحي" ومصدر رزق ثابت" يقولها بعد أن تذوق حبة أخرى حامدًا ربه على نعمته عليه، وراسمًا ضحكة عكست جمال العلاقة بين المزارع والشجرة: "العنب هي الشجرة الوحيدة الناجحة في غزة".
أمامك شجرة عنب، تحمل على أغصانها عناقيد سوداء وخضراء، "تتمدد السمراء من جذع الشجرة الأصلية في عملية يسميها المزارعون "رقعة"، لكن العنب الأسمر حساس أكثر للشمس ودرجات الحرارة والحشرات وسرعة فساده عالية، أما الأخضر أو الأبيض فإن قدرتهما على الصمود والبقاء كبيرة" يقول.
مع اقتراب القطف، يواجه المزارعون تحديًا آخر ويخوضون معركة لا تقل ضراوة عن معركتهم في البداية، إذ تهاجم دودة "العنب" الكروم، "قد تضرب القطف الواحد أو الكروم بأكملها أو الشجرة ذاتها وتخسر موسم الحصاد" هذا أكثر ما يجعل شلدان يوجد هنا باستمرار حيث يكافحها أولًا بأول.
ويقدر شلدان أن الدونم الواحد يضم 25 شجرة، تنتج 150 كغم، أي أن الدونم ينتج في الموسم نحو 2-3 أطنان.
تشجيع المنتج المحلي
بحسب معطيات حصلت عليها صحيفة "فلسطين" من وزارة الزراعة، إن مساحات الأراضي الزراعية المزروعة بالعنب تبلغ 5450 دونمًا منها 5200 دونم من العنب البذري في قطاع غزة و250 دونمًا غير مثمر (عنب لا بذري)، تنتج نحو 9 آلاف طن، منها 7280 طنًّا من العنب البذري، ونحو 1800 طن من اللا بذري في الموسم الواحد.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة أدهم بسيوني: "إن العنب اللا بذري يبدأ قطفه مبكرًا بعد منتصف أيار (مايو)، وتبلغ ذروة إنتاجه حتى منتصف حزيران (يونيو)، ثم يبدأ موسم العنب البذري في تموز (يوليو) وآب (أغسطس)".
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "منعت الوزارة مبكرًا منذ بداية مارس إدخال واستيراد العنب وكل ما ينافس المنتج المحلي، لإعطاء فرصة للمنتج المحلي، ويبقى المنع ساريًا حتى آخر حبة عنب في قطاع غزة، بعد ذلك يمكن السماح بالإدخال والاستيراد، إن حصل نقص".
وفقًا لحديث البسيوني، إن إنتاج العنب يغطي 80% من احتياجات السوق، مبينًا أن المتابعة الفنية للعنب قائمة ومستمرة لكونه حساسًا للظروف المناخية والفنية، تبدأ مع بداية العام ضمن برنامج إرشادي حتى أيلول (سبتمبر)، بشأن آلية التعامل مع المحصول.
وكشف أن الوزارة أدخلت أنظمة مكافحة ومصايد حيوية، وأصنافًا جديدة من العنب اللا بذري، وتطويرًا لنظم التربية بمزارع العنب، بالزراعة على شكل حرف (T) أو على المعرشات، وإدخال أصول مقاومة وتطعيم العنب، لافتًا إلى أن هناك مشاتل متخصصة بإنتاج العنب وكيفية التأقلم مع ظروف البيئة، وأن الوزارة تسعى لتطوير قطاع زراعة "العنب" بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة.
والمصايد الحيوية -تبعًا لحديث بسيوني- نوع من أنواع مكافحة الحشرات، وهو محلول يستخدم بديلًا للمبيدات ويعمل بفعالية ويوفر التكلفة على المزارعين ويختصر الوقت والجهد، وهذا المحلول يحتوي على مادة فيرمون جذب للحشرة تمثل طعمًا وسمًّا يقتل الحشرات.
وتتابع وزارة الزراعة في قطاع غزة باستمرار من طريق مهندسين زراعيين واختصاصيين زراعة الثمار في المزارع، حيث يقدمون إرشادات وتوجيهات تضمن جودة وسلامة المنتجات الزراعية.