فلسطين أون لاين

"نظارةٌ حديدية" تصنعُ حياةً مُشرقةً في مخيمٍ بائس

...
صنعاء-غزة/ إيمان شبير:

تجاعيدُ "أبو مسعود" الذي يعيشُ في محافظةِ مأرب، تحملُ حكايا الأمنيات المسلوبة من قلوبِ الأطفالِ النازحينَ الذين يعيشونَ في مخيم "جو النسيم"، فكِبر سنه لم يكن عائقًا أمام رسم الابتسامة على وجوه الأطفال، بل كان عطاؤه إلهامًا تَفجّرت من خلاله مَلَكة الإبداعِ عند الطفل النازح في المخيمِ محمد الضالعي.

المعاناةُ الحقيقيةُ أن يُشرَّدَ الإنسانُ داخل وطنه، ويكون غريبًا وسط ظروفٍ معيشيةٍ صعبة.

محمد من محافظة مأرب باليمن، يبلغ من العمرِ ست سنوات من المعاناةِ والقهر، لم يكن اختيار النزوحِ من مدينته "ذمار" (تبعد عن صنعاء نحو 100 كم) بإرادته الكاملة ولا إرادة والده، لكنهما أُجبرا بسبب التجنيدِ الإجباري.

يعيشُ في مخيمِ "جو النسيم" بخيمةٍ صغيرةٍ تحفُّها الرياحُ الشديدة، فحالُ النازحين شديدُ البؤس، لا يستطيعونَ تلبيةَ أدنى الاحتياجات اللازمة، فالحياةُ في محافظةِ مأرب تنعكسُ صورتها على الحالةِ المأساويةِ الشرسة التي تنهشُ بجسدِ هذا الطفل.

المبدعونَ يُولدون من رحمِ المعاناة، فلم يقتصر الإبداعُ على فئةٍ معينة، وإنما العقلُ المفكِّرُ وحده من يُميِّزُ إنسانًا من آخر.

في مخيمِ "جو النسيم"، كان رجلٌ كبيرٌ في السن، تجاعيدُ المدينةِ الأليمة مرسومةٌ على ملامحه، والأبيضُ يغزو شعره، تبرعَ بماله للأطفال النازحينَ في المخيم، ويتفقدهم كما تتفقدُ الأمُّ أبناءها، لكن الموتَ كان أسرع من الخيرِ الذي كان يبذله في سبيلِ رسمِ البسمةِ على وجوه الأطفال، فتوفاه الله قبل عامين من الآن.

حينها تفجّرت مَلَكةُ الإبداعِ عند الطفلِ محمد وصنع الكثير من الألعابِ بأدواتٍ بسيطةٍ ووزعها على أطفالِ المخيم، كان ضمنَ الألعابِ المصنوعة "نظارة حديدية" فتحت له طريقًا من الرزقِ الوفير.

في حديث مع صحيفة "فلسطين"، يقول الصحفي اليمني "عبد الله الجرادي": "بعد كُلِّ عملٍ تصويريٍّ أقوم به من الضروري أن أخرج بشحنةٍ إيجابية، خاصة أن المخيمات تعكسُ صورةً أليمةً عن حالة الأطفال الصعبة، فأحاول قدر المستطاع اللجوء إلى أيِّ شيءٍ يُسعدني، فمباشرةً ألجأ إلى تصوير الأطفال بعد كل عمل، وكان آخر مشروع قمت بالعمل به، لفتني خلاله هذا الطفل محمد الضالعي وهو يلهو ويلعب بثقة عالية ويرتدي النظارة وعلامات الفرحة على ملامحه.

بعد حوار بين الصحفي والطفل عن صنع النظارة، لمعت في ذهن الأول فكرةٌ بعرض النظارة الحديدية في مزاد علني للجمهور.

يقول الجرادي: "بعد تقديري لمجهود الطفل بصنع هذه النظارة، أحببت أن أترك له أثرًا طيّبًا يعودُ بالنفع عليه، لكنني لم أتخيل أن المزاد عاد بالنفع على المخيم كله وليس فقط الطفل محمد".

ويُضيف قائلًا بنبرةِ السرور: "تفاجأتُ من تفاعلِ الجمهورِ اليمني والعربي الكبير مع النظارة، وكسي أطفالِ المخيم بالكاملِ الذين يبلغُ عددهم 300 طفل".

لم تكنْ الأمنياتُ المسلوبةُ من قلبِ الطفلِ محمد يومًا مستحيلة، فالنظارةُ الحديديةُ البسيطة جَلَبتْ للطفلِ وعائلته 5 ملايين.