يعيش لاجئون فلسطينيون في مخيم "الحسينية" قرب العاصمة السورية دمشق، مشهدا بائسا يتشاركون فيه بكل شيء إلا الحياة.
مشهد يعكس الواقع العام الذي يعيشه معظم الناس هناك بسبب الأزمة السورية وجائحة "كورونا"، وانهيار الاقتصاد وانخفاض قيمة الليرة وتفشي البطالة، نتيجة للحرب التي لم تضع أوزارها بعد.
"أبو وليد" لاجئ فلسطيني من سكان المخيم، يعمل في متجر بدمشق مقابل راتب زهيد يذهب نصفه لفواتير الكهرباء والماء، يروي وضعه البائس في ظل تردي الأوضاع المعيشية.
يقول لـ"قدس برس": "أحتار في كل مرة أقرر بيع إحدى أغراض بيتي في المخيم، من أجل تأمين طعام عائلتي أو الإيفاء بالحدود الدنيا من التزاماتهم" لافتا إلى أن هذه المرة عليه تأمين إيجار المنزل البالغ 25 ألف ليرة (نحو 50 دولار).
ويضيف: "عليّ أن أستغني عن غرض آخر، ولا أعرف إن كانت (الضحية) هذه المرة جرة الغاز الوحيدة التي لديّ أو البراد؟ ويتساءل إن كان سيأتي عليه يوم ولا يجد في بيته سوى حصيرة بالية!".
تغلبه دموعه وهو يصف نقاشه مع زوجته حول الخيارات الممكنة والسؤال الذي يفرض نفسه في كل مرة: "ماذا نبيع؟".
يتابع: أكثر ما يؤثر بي في تلك اللحظة هي نظرات بناتي وهن يستمعن إلى حديثي مع أمهن، عن ما الذين سنستغني عنه ونبيعه، "والاحتياجات التي لا نجد لها مخرجا الا بالتسويف".
ويتابع: "أتساءل دوما عما يدور في ذهن بناتي وهن يرون حالة العجز التي وصل إليها والدهن .. وكم نحن نعيش في وضع بائس؟".
أما اللاجئة "رنا" التي تسكن مع عائلتها في ذات المخيم، فتقول: "غالبية الناس هنا لا يستطيعون تأمين ثمن الطعام والشراب؛ لأجل ذلك يبيعون أثاث المنزل والأدوات الكهربائية".
وتحمد "رنا" المولى عزو جل كون منزلها ملكا للعائلة، وتصف إيجارات المنازل في المخيم بالمرتفعة، التي قالت إنها تتراوح ما بين 20 ألف و 50 ألف ليرة (من 40 إلى 100 دولار).
وتقول لـ"قدس برس": "لا نعلم كيف سيكون وضعنا لو كنا نسكن بالإيجار"؛ فالوالد لا يعمل، وعائلتها تتدبر أمرها براتب شقيقتها التي تعيش معهم بعد فقدان زوجها بسبب الحرب.
وأضافت: "أُجبرنا في فترة الحرب على ترك منزلنا لمدة ثلاث سنوات وعندما رجعنا وجدناه قد سُرق".
وتتابع: "كانت الأوضاع صعبة للغاية، واضطررت حينها لترك الدراسة والعمل قبل أن تغلق غالبية المعامل أبوابها بسبب الغلاء وكورونا".
ونوهت إلى أن العائلات الفلسطينية في المخيم تتشارك الفاقة والقهر وهناك عائلات بالكاد تسد رمقها في ظل الغلاء الفاحش للأسعار.
وقالت: "اللحم لم نعد نعرفه، وسعر الكيلو أصبح 13 ألف ليرة، ولم آكله منذ فترة طويلة".
وتتضاءل أحلام اللاجئ الفلسطيني مجد الذي يعيش مع زوجته في غرفة في منزل العائلة، بالسكن في منزل جديد، بسبب جائحة "كورونا" وانخفاض قيمة الليرة.
ورغم أن الوضع المادي، كان يسمح له بإكمال بناء منزله على قطعة أرض يمتلكها إلا أن أزمة "كورونا" أوقفت مشروعه.
يقول مجد لـ"قدس برس" الذي يعمل في مجال نجارة الموبيليا: تعرضت لخسائر كبيرة نتيجة توقف الأعمال وامتناع الكثيرين عن سداد الديون المسجلة عليهم بالليرة السورية، والتي خسرت أكثر من نصف قيمتها، والتي كان من المفترض أن أسدد منها فواتير الأخشاب التي أشتريها.
وأضاف: اضطررت إلى عرض الأرض التي قمت بتأسيسها من أجل بناء المنزل الذي كنت أحلم به للبيع؛ كي أسدد الفواتير وأغطي مصاريف البيت لفترة ما.
ويُعد مخيم "الحسينية" الذي أقيم عام 1982 على مساحة تقدر ما بين 3 و5 كليومربع، في ريف دمشق الجنوبي، ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا.
ويفتقر المخيم للكثير من الخدمات: حيث يعاني الأهالي من تراكم القمامة والنفايات وانقطاع متواصل للتيار الكهربائي، بالإضافة لضعف الخدمات الطبية، وتفشي البطالة.