فلسطين أون لاين

تقرير المحرَّر "قبها".. عاقَبه الاحتلال على عمله "طبيبًا" باعتقال دام 18 عامًا

...
غزة- فاطمة الزهراء العويني

لم يدُرْ في خَلَد الأسير المحرر أمجد قبها (48 عامًا)، أن عمله في مجال الطب وتقديم الخدمات الإنسانية للمواطنين سيكون سببًا في تغييبه داخل زنازين الظلم الإسرائيلية 18 عامًا.

وأفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير قبها من بلدة برطعة جنوب غرب جنين، في الثاني من شهر يوليو/ تموز الجاري، بعد انتهاء محكوميته البالغة 18 سنة.

اعتقال غير متوقع

وفي الرابع من شهر يوليو من عام 2002م -في أثناء انتفاضة الأقصى- اعتقلت قوات الاحتلال الطبيب أمجد قبها، متهمة إياه بـ"تقديم خدمات طبية للمطاردين" ليُحكَم بالسجن 18 عامًا "زورًا وبهتانًا" وفق حديثه لصحيفة "فلسطين".

يقول قبها: "وقع الحكم عليّ كالصاعقة، فأنا لم أُعتقل قبل ذلك، وكانت النيابة الإسرائيلية قد طلبت له حكمًا بالسجن لعامين ونصف العام، لكن الظروف العامة في "انتفاضة الأقصى" -التي ضاق بها الاحتلال ذرعًا- انعكست سلبًا على قبها وحوكم بالسجن مدة طويلة".

ويروي أن ظروف الاعتقال كانت في غاية الصعوبة، فهو لم يعرف في حياته سوى وظيفته طبيبًا في مستشفى حكومي وعيادته الخاصة، "فكانت السنوات الأربع الأولى فترة من عدم الاستيعاب، والتكيّف، وقبول الواقع بالنسبة له، ثم بعدها بدأ يتكيّف تدريجيًا"، يضيف قبها.

ويحكي: "في نهاية المطاف لم يكن أمامي سوى الرضا بالقدر والصبر -وهما أهم ما تعلمته من حياة الاعتقال- وكذلك اتخاذ قرار فردي في مكان لا تجد فيه عائلتك وأصدقائك من حولك".

ويوضح أن ما ساعده على التكيُّف عمله محاضرًا جامعيًّا للأسرى الراغبين في إتمام دراستهم الجامعية في جامعتَيْ الأقصى والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بغزة، حيث كان يستلم كتب المنهاج ويُدرّسها لهم، بواقع محاضرتين أو ثلاثٍ يوميًا، ويعد لهم الاختبارات ويرصد الدرجات، إضافة إلى إلقائه محاضرات للأسرى في مجال التنمية البشرية التي كان خبيرًا بها.

ويتابع "كنتُ أُشغِل وقتي بتطوير نفسي بالقراءة والكتابة، فأصبح جدولي اليومي شبه ممتلئ، رغم ظروف السجن المريرة بسبب انعكاس أحداث انتفاضة الأقصى على الأسرى، ثم أَسْر المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وما تبعه من إجراءات تعسفية من إدارة السجون".

ويشير إلى أن إدارة السجون حرمت الأسرى من الالتحاق بالجامعة العبرية، وصادرت الكتب وحرمتهم كثيرًا من الامتيازات، كزيارات الأهالي، و"الكانتينا"، وإدخال الملابس وأغلب القنوات التلفزيونية وغيرها من الإجراءات، ما جعل ظروف السجن أكثر تعقيدًا.

إلى جانب تلك المعاناة داخل السجن فإن التأثُّر بظروف الخارج كظروف الأهل والوطن زاد معاناة الأسير، فقبها ترك زوجته وهي حامل بابنته التي حُرم رؤيتها وأن تكبر أمام عينيه، حتى أُفرج عنه مطلع الشهر الجاري، بعد أن أنهت "تسنيم" تقديم امتحانات الثانوية العامة هذا العام، حسب ما يروي.

وبصوت ممزوجٍ بالألم والأمل يقول قبها: "لم أجد كلمة تُعبّر عن شعوري عندما احتضنت ابنتي للمرة الأولى، حيث كاد قلبي يقفز من صدري، وأتمنى أن أفرح بنجاحها بالثانوية العامة علّ ذلك يعوضني شيئًا مما لم أشاركها إياه".

وما زاد من ألم قبها مرض والدته وعدم قدرتها على الحديث إليه، بعدما ألزمها المرض الفراش منذ عدة سنوات وبالكاد تتمتم بحروف غير مفهومة، فسّرها له المحيطون بها على أنها "فرحةٌ غامرة" بخروجه من السجن، فيردد "لم تزرني سوى مرتين ثم مرضتْ وحُرمتُ رؤيتها وهي على قدميها".

ويكمل: "يُمعِن الاحتلال في تعقيد حياة الأسرى، فرغم اعتقاله شقيقي -وزير الأسرى الأسبق "وصفي" مرات عدّة- فإنه حرمنا من أن نلتقي معًا في السجن، إلا أنّ ذلك لم يمنعنا من استراق بعض اللحظات أثناء التنقل من السجن لآخر، عبر التلويح بالأيدي".

وحينما خرج من السجن حمّله الأسرى أمانة، فحواها المُطالبة بتوحيد الوطن الفلسطيني، وضرورة تحرك الفصائل والمؤسسات الفلسطينية للعمل على الإفراج عنهم، مشددًا على أن "الأسرى المرضى يريدون الموت بين ذويهم والنساء والأطفال يعانون معاناة معقدة فيما يعاني الأسرى الإداريون كثيرًا".

ويختم حديثه: "الأسرى يريدون الحرية لتُخرجهم من حياة الظلم والإذلال والاضطهاد التي يعيشونها في السجن، وليتسنى لهم بدء حياة جديدة خارج أسوار السجن، فهم ينتظرون أي أخبار تتحدث عن جهود لتحريرهم".