موت الشهيد الأسير سعدي الغرابلي من قطاع غزة سريريًا من جراء عدم تقديم العلاج اللازم له من قبل إدارات سجون الاحتلال، وهو يرزح في سجون الموت البطيء منذ أكثر من ٢٦ عامًا وقد تعرض للعزل الانفرادي، ومورست بحقه انتهاكات تقشعر لها الأبدان، كما أن إدارة السجون تمنع ذويه من زيارته منذ عدة سنوات.
الشهيد الغرابلي لم يكن هو الشهيد الأول ولا الشهيد الأخير في إحصائيات شهداء التعذيب في السجون الإسرائيلية، فقد سبقته قائمة طويلة من الأسرى الذين استشهدوا في سجون الاحتلال نتيجة للتعذيب القاسي والمميت، والتقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية خير شاهد، على جرائم الاحتلال الذي يمارس أبشع الانتهاكات والجرائم ضد الأسرى، ويحرمهم من العلاج، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ٢٢٣ أسيرا في غياهب سجونه التي تشبه سجون العصور الوسطى بل سجن الباستيل الشهير.
هناك الكثير مِمَن تعرضوا للتعذيب ونَجوا من الموت تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له، وهناك من لا يزالون متأثرين من ذلك رغم مرور سنوات طوال على تحررهم ولا يتسع المجال هنا للحديث عن تلك التجارب والمعاناة، فكثيرة هي الأدلة والأمثلة التي من الممكن أن نسوقها ونذكرها والتي تثبت تورط الاحتلال الإسرائيلي وجهاز مخابراته باستخدام أبشع أنواع وصور التعذيب.
منذ عام 1987 شُرعت سلطات التعذيب، في حين صدَّق (الكنيست) الإسرائيلي على التوصيات الواردة في تقرير "لجنة لنداو" العنصرية، وابتداء من عام 1996 أصدرت محكمة العدل العليا واللجنة الوزارية التابعة لشؤون المخابرات مجموعة قرارات تعطي فيها الضوء الأخضر لجهازي "الشين بيت" و"الشاباك" باستخدام التعذيب، وهناك أكثر من 77 أسلوب تعذيب يمارس ضد المعتقلين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ونادرًا ألا يتعرض من يعتقل لأحد أشكال التعذيب مع الملاحظة أن عددًا كبيرًا من الأسرى يتعرضون لأكثر من نوع من أنواع التعذيب في آن واحد، حيث إن (99%) من المعتقلين تعرضوا للضرب، في حين تعرض (92%) منهم للوقوف لمدة طويلة، و(89%) تعرضوا للشبح، في حين وُضِع (68%) في الثلاجة، بالإضافة لأساليب التعذيب الأخرى ومنها أسلوب الهز العنيف، والشبح المتواصل بأشكال مختلفة، وإسماع الموسيقى الصاخبة، والحرمان من النوم، وغرف العملاء، والضرب المؤلم، والتعذيب باستخدام الماء البارد، والتعذيب النفسي، والعزل، والوقوف فترات طويلة، والحشر داخل ثلاجة، والضرب والصفع على المعدة، وتكبيل اليدين والقدمين سوية على شكل موزة، والحرمان من الطعام، والحرمان من النوم، إلخ.
إن استشهاد الأسير الغرابلي هو مؤشر خطير على حياة باقي الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون ومعتقلات الاحتلال، وقد فاجأنا استشهاده قبل دخوله المعتقل أو حتى سماع أقواله، وكنا نعتقد أن حياة الأسرى المضربين عن الطعام هي التي في خطر دائم، ومتوقع استشهادهم في أي لحظة، نظرًا لسوء حالتهم الصحية بسبب إضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجًا على سياسة القمع التي تنتهجها مصلحة السجون ومعاملتها السيئة للأسرى.
الأسرى ضحوا بحريتهم من أجل حرية وكرامة شعبهم، ومن أجل تحرير بلدهم من الاحتلال الغاشم الذي هو آخر وأشرس احتلال في العالم، فممارساته ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا ترتقي وفق كل المعايير الدولية لمستوى جرائم الحرب، لكن اليوم أصبحت حياة الأسرى داخل سجون الاحتلال في خطر مستمر ودائم خاصة في ظل الظروف الراهنة، حيث تستغل إدارات السجون جائحة كورونا وانشغال العالم بإيجاد حلول لهذا الفيروس الذي أدى إلى آلاف الوفيات وملايين الإصابات حول العالم بما فيها أرضنا المحتلة، لتنفيذ سياسة القمع والعزل والاعتداءات عليهم، وعدم توفير العلاجات اللازمة لهم، إلى جانب تدهور أوضاعهم المعيشية بسبب رداءة الطعام المقدم لهم من حيث الكمية والنوعية.
الأسرى ضحوا بحريتهم من أجل حرية وكرامة شعبهم، ومن أجل تحرير بلدهم من الاحتلال الغاشم الذي هو آخر وأشرس احتلال في العالم، فممارساته ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا ترتقي وفق كل المعايير الدولية لمستوى جرائم الحرب، و أصبحت خيام التضامن لا تكفي وحدها للتضامن معهم ومع مطالبهم العادلة، بل يجب تصعيد هذا التضامن ليشمل وسائل أخرى فعالة. لذا من واجبنا الوطني والأخلاقي الوقوف إلى جانب هؤلاء أسرى الحرية وعدم تركهم وحدهم في مواجهة السجان وإدارات السجون التي تعتقد بأن بإمكانها من خلال ممارساتها القمعية بحقهم النيل من عزيمتهم وإرادتهم التي لن تلين لها قناة، لأنهم دخلوا النضال إيمانًا منهم بحقوق شعبهم في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، كما من واجب الجهات المسؤولة والمختصة رفع قضايا إلى المحاكم الدولية، خاصة محكمة جرائم الحرب لمعاقبة الاحتلال الغاشم.