فلسطين أون لاين

بمسبار وفرجار

" الهندي".. ينحت من الجبس تحفًا فَنِّيَّة

...
غزة-مريم الشوبكي

بمسبار الأسنان أخذ يوسف الهندي ينحت الجبس ليبرز أبواب قبة الصخرة، حانيًا رأسه ومرتديًا نظارة طبيّة تعينه على نحت أدق التفاصيل، ويبقى على هذه الهيئة نحو 10 ساعات يوميًا، تمتد في بعض الأحيان إلى أسبوعين حتى ينهي منحوتته.

النحت على الصخور، والصلصال، والخشب، والمعدن فن ذائع الصيت، لذا بحث الهندي عن التفرد والتميز باختيار الجبس كمادة خام يحولها إلى تحف فنية مطلقًا مشغله الخاص يبوس في العام 2009 بعد أن أعلن عن توقفه عن الرسم في العام ذاته.

الهندي (29 عاما) يقطن في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، فنان تشكيلي وأخصائي اجتماعي ونفسي في إحدى المؤسسات الدولية، وهذا الأمر لم يمنعه من التفرغ ساعات طويلة من يومه للنحت على الجبس.

يبتاع الهندي المادة الخام للجبس، ويخلطه في مشغله بالماء ومواد أخرى لتزيد من متانته، وفي النحت على الجبس متعة لا يجدها الهندي في مواد أخرى، لأنها تمنحه القوام المناسب والزوايا الصحيحة كما يريدها.

يعتز بكل منحوتة نحتتها أنامله، بعضها يحتفظ بها لنفسه، وأخرى نحتها كهدايا قدمتها شركات خاصة وحكومية، وبنوك، ومؤسسات مجتمع مدني.

النحت على الجبس ليس سهلًا كما يظن البعض، بل يحتاج إلى صبر وبال طويل، ودقة، ومشقة لا أدوات مخصصة له بل يُطوّع الهندي جميع الأدوات لصالحه من الفرجار الهندسي، والمشارط، وفرشاة الأسنان، وأدوات دكتورة الأسنان، والسكاكين الرفيعة.

تحويل المنحوتة إلى تحفة فنية، يتطلب الأمر كما يبين الهندي أنها تمر بمرحلة التخطيط للفكرة وتنفيذ الرسمة على ورق، أو عبر الفوتوشوب، ومن ثم يصب الجبس في القالب الذي سينحت التفاصيل عليه، وبعد الانتهاء يلونها.

ويوضح أن المنحوتة بعضها يحتاج يوم لتنفيذها، وأخرى تستغرق أسبوعين في النحت حسب تفاصيلها وحجمها، مؤكدا أن الشغف لحرفة النحت هو ما يهون التعب والجهد الذي يبذل فيها.

"المنحوتة مثل الطفل.."

وردا على سؤاله عن أي المنحوتات الأقرب إلى قلبك، يجيب الهندي: "المنحوتة مثل الطفل، يكون عبارة عن صفحة بيضاء ما تشكله بها وتنحته فيها، ستلاقي نتيجته المبهرة فيما بعد، ومقدار ما تضعه من إبداع ستجده في النتيجة النهائية، لذا أعتبر كل المنحوتات أولادي"..

يشير بيده نحو منحوتة مقابلة له اختار له اسم "على هذه الأرض" والتي ذاع صيتها بعد الانتهاء منها، ومثلها صك الملكية، والأرض المقدسة، ولكن آخر الأعمال التي أثرت في نفسه حي منحوتة تحمل خارطة فلسطين ونحت بها رقم (72) الذي يشير إلى عمر النكبة الفلسطينية مطلقا عليها اسم "72 وطن".

وما يلفت الانتباه أن الهندي يختار اسما لكل منحوتة يصنعها من بنات أفكاره، ويلفت أنه يستوحي الاسماء من شكل المنحوتة، أو من تكوينها والنصوص الموجودة فيها، أو من الفكرة التي تقدمها، أو من أبيات شعر للشاعر الفلسطيني محمود درويش، أو جبران خليل جبران، أو نزار قباني.

لا يخلو أي عمل من معيقات تحد من تطوره، فعن الصعوبات يتحدث: "أكبر معيق هو الاحتلال الاسرائيلي الذي يفرض حصارا أثر على كافة النواحي الاقتصادية في القطاع، وأضاع علي فرص للمشاركة في معارض خارجية، وتصدير منحوتاتي لضفة الغربية ودول حول العالم".

ومنحوتات الجبس يمكن الاحتفاظ بها لسنوات طويلة تبقى كتحفة فنية تزين المكان وتزيده جمالا، ويذكر الهندي أنه بعد الانتهاء من المنحوتات وتلوينها، يقوم بتثبيتها على قطعة من الخشب، وتغليفها بالنايلون الشفاف، وابعادها عن مصادر الرطوبة.

ويعرف الجبس بأنه أحد أشهر المواد الخام التي توجد في باطن الأرض أو على السطح، كما أنه من أكثر معادن الكبريتات التي تنتشر في الطبيعة سواء على شكل معدن أم على هيئة صخر رسوبي.

استخدم الجبس في البناء منذ العصور القديمة، وخاصة في المباني القديمة التي تقع في مصر وفي روما، ويشير ذلك إلى أن الإنسان عرف الجبس منذ ما يقارب الستة آلاف سنة قبل الميلاد، ومن أشهر الأدلة على ذلك وجود الأهرامات حتى العصر الحالي.

ووجد في العديد من المخطوطات التاريخية التي تعود لعهد الرومان أنهم استخدموا الجبس، وكانوا يأمرون أصحاب المباني بتلبيس جميع الجدران بمادة الجبس وذلك لحمايتها من الحريق، فقد عرف الرومان منذ القدم فوائد الجبس ومزاياه الفريدة مما دفعهم لاستخدامه.