تتابع الأوساط الفلسطينية والعربية والإسلامية باهتمام الخطوات التي تنوي الحكومة الصهيونية القيام بها لاستكمال تنفيذ ما تسمى صفقة القرن، ولا سيما الإجراءات العملية لضم مناطق جديدة من الضفة الغربية وغور الأردن، بغض النظر عن موعد التنفيذ وإمكانية تأجيله.
وتدرس هذه الأوساط كل الخيارات التي يمكن اللجوء إليها في المرحلة المقبلة، لمواجهة التصعيد الصهيوني المدعوم أمريكيا ومن بعض الأنظمة العربية. وتشهد العاصمة اللبنانية سلسلة لقاءات واجتماعات بين القوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وكذلك عبر التشاور مع العديد من قيادات الأحزاب العربية والإسلامية لبحث آفاق المرحلة المقبلة والمخاطر القادمة وكيفية مواجهة هذه المخاطر.
وقد شكّلت اللقاءات التي عقدت على هامش تقبل التعازي برحيل الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي، الدكتور رمضان عبد الله شلّح، في بيروت ودمشق وغزة وطهران، فرصة للتداول والبحث بين عدد كبير من القيادات العربية والاسلامية والقوى الفلسطينية، لبحث التطورات الجارية وكيفية التصدي العملي للخطوات القادمة من قبل الصهاينة لاستكمال تطبيق صفقة القرن.
كيف تقيّم قوى المقاومة الفلسطينية التطورات الجارية في فلسطين وعلى الصعيدين العربي والإسلامي؟ وما هي نقاط القوة والضعف على صعيد المقاومة والواقع الفلسطيني؟ وما الخيارات والاحتمالات المتوقعة للمرحلة المقبلة؟
قيادي بارز في المقاومة عرض في هذه اللقاءات رؤية قوى المقاومة لما يجري. وهذه أبرز النقاط التي تحدث عنها: ما يجري اليوم هو استكمال لتطبيق ما يسمى صفقة القرن، أو المشروع الاسرائيلي– الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية وبدعم من بعض الأنظمة العربية. والخطوات القادمة ليست مفاجئة لأحد بل هي تأكيد لما هو واقع على الأرض منذ سنوات، وهي تعني إسقاط كل مشاريع التسوية وإنهاء كل نتائج اتفاق أوسلو، وتصفية ما بقي من السلطة الفلسطينية القائمة اليوم. وكل ذلك نتيجة للمخططات التي طبقت خلال السنوات الماضية، والتي أدت لمحاصرة قوى المقاومة في الضفة، ونتيجة الانقسامات في الساحة الفلسطينية وعدم الاتفاق على المشروع السياسي الفلسطيني الموحد.
وأما على الصعيد العربي والإسلامي فيعترف القيادي المقاوم البارز؛ بأن الواقع العربي والإسلامي ليس على ما يرام في ظل انشغال الشعوب العربية والإسلامية بهمومها القُطرية، وفي ظل الصراعات والحروب القائمة، والتي أدت لتراجع حضور القضية الفلسطينية لدى هذه الشعوب، وتمرير خطوات صفقة القرن السابقة بدون ردود فعل فاعلة وحقيقية.
لكن في المقابل، فإن قوى المقاومة ولا سيما في قطاع غزة ولبنان؛ نجحت في بناء قوة قتالية وعسكرية متميزة وقادرة على الردع. وأما في الضفة الغربية والقدس المحتلة، فرغم الظروف الصعبة فإن العمليات مستمرة بأشكال مختلفة.
ويضيف القيادي المقاوم البارز: رغم مخاطر صفقة القرن على الوضع الفلسطيني والدول العربية، فإنها في المقابل تشكل فرصة مناسبة لإعادة تقييم واقع المشروع الفلسطيني بشكل عام، ولا سيما من قبل السلطة الفلسطينية والتي ستجد نفسها أمام تحديات جديدة وخطيرة وأمام حائط مسدود، فإما ستسلم بالأمر الواقع وينتهي دورها وموقعها رغم ضعف وإشكالات هذا الدور، أو أنها ستعمد لقلب الطاولة على الإسرائيليين والأمريكيين وتنهي كل نتائج اتفاق أوسلو، وتتحول إلى قوة مقاومة شعبية وسياسية فاعلة.
ورغم أن هذا الاحتمال صعب وضعيف، لكنه سيكون الخيار الأفضل، وسينقذ هذه السلطة من أزماتها ومشاكلها، ويفتح الباب مجددا أمام العودة لتوحيد الموقف الفلسطيني وبناء المشروع السياسي الفلسطيني المستقل والمقاوم.
وفي إطار تشريحه لواقع قوى المقاومة ولا سيما في قطاع غزة ولبنان، وعلاقاتها بمحور المقاومة، يقول القيادي البارز: "لقد حققنا في السنوات الأخيرة نجاحات مهمة في بناء قوة المقاومة على جميع الصعد، وأصبحنا قادرين على تهديد الكيان الصهيوني، وأصبحت لدينا قدرات صاروخية والكترونية وميدانية مميزة، رغم الحصار والعقوبات والظروف المالية القاسية. وهناك تعاون وتنسيق بين كل قوى المقاومة في المنطقة، رغم بعض التباينات السياسية أو التنظيمية أو الفكرية. نحن اليوم في مرحلة جديدة سياسية وميدانية، وعلينا الاستفادة من التطورات الجديدة لنعيد الأولوية للقضية الفلسطينية، ووقف كل الحروب والصراعات في المنطقة والحذر من العودة للحروب الأهلية والصراعات البينية. وهناك مسؤولية كبيرة علينا جميعا لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، ولا سيما على صعيد بناء المجتمع المقاوم ومواجهة الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة، لكن في المقابل يجب أن لا تؤدي هذه الأوضاع إلى تقديم تنازلات سياسية أو التراجع عن خيارات المقاومة والصمود".
ويختم القيادي المقاوم بالقول: "نحن أمام مرحلة جديدة وتحديات كبيرة، ولكننا على ثقة بأن الشعب الفلسطيني المقاوم، وبدعم من قوى المقاومة في العالم العربي والإسلامي، سيكون قادرا على المواجهة. ونحن تعلمنا أنه كلما وصل هذا الشعب إلى حائط مسدود سياسيا سيعود لخيار المقاومة الشاملة، وهذا هو الخيار الوحيد لمواجهة هذه الصفقة والقرارات الإسرائيلية الجديدة".