فلسطين أون لاين

​مجزرة الرواتب تهدم البيت الغزّي

موظفو غزة: بأي حق تُخصم رواتبُنا؟!

...
أحد موظفي السلطة الوطنية بغزة عبد الحميد دياب (أرشيف)
غزة / صفاء عاشور - عبد الرحمن الطهراوي

لم تقف المسافة الفاصلة بين ساحة السرايا وسط مدينة غزة، ومنزل الموظف يحيى بارود في مدينة خان يونس، جنوب القطاع، حائلا أمام مشاركته في الاعتصام الاحتجاجي ضد قرار الخصم من رواتب منتسبي السلطة الفلسطينية.

ومنذ ساعات الصباح الأولى تجهز بارود (41 عاما) برفقة ثلاثة من رفاقه للمشاركة في الاحتجاج على قرار حكومة رامي الحمد الله، القاضي بتقليص رواتب الموظفين في غزة دون مقدمات تذكر أو مراعاة للظروف الإنسانية المتردية في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ قرابة العشر سنوات.

وعبر بارود عن تذمره من طريقة تعامل حكومة الحمد الله مع مشاكل القطاع المتفاقمة، وقال: "كنا نأمل أن ينتهي الانقسام السياسي بعد تشكيل الحكومة ويطرأ تحسن ملموس على الظروف المعيشية القاسية، ولكن للأسف حدث العكس على إثر الإجراءات غير العقلانية".

وبدت علامات القلق واضحة على وجه الموظف عصام حمدونة أثناء مشاركته في الاعتصام الاحتجاجي، إذ يخشى من تراكم الديون المالية عليه حال استمرار الخصم الشهري على رواتب موظفي السلطة.

بدون مقدمات

وأوضح حمدونة لصحيفة "فلسطين" أن قرار حكومة الحمد الله جاء بدون مقدمات ولم يراع إطلاقا الظروف المعيشية الناتجة من استمرار الحصار المشدد وتلاحق الحروب الإسرائيلية على القطاع المحاصر من كل حدب وصوب، مطالبا بسرعة التراجع عن القرار ووقف الخصومات المالية.

ولم تختلف مطالب ياسر الأسطل (54 عاما) عن دعوات زميله السابق، الذي أكد أن موظفي السلطة لا يعتبرون أفضل حالا من غيرهم، في ظل التزام شريحة واسعة منهم باستحقاقات مالية إما لصالح قروض بنكية أم لتلبية الاحتياجات الأسرية المعتادة أو لدفع رسوم الجامعات وشقق سكنية.

وطالب الأسطل في حديثه لـ "فلسطين" الجميع بالتحرك لإنقاذ الأوضاع المتردية في القطاع وتحمل مسؤوليته ومحاولة إنهاء أزمات السكان الغزيين رزمة واحدة بعيدا عن أي تجاذبات وحسابات أخرى.

وإلى جوار الأسطل، الذي يعيل سبعة أفراد أحدهم طالب جامعي، وقف الموظف عبد الحميد دياب تحت أشعة الشمس رافعا لافتة كتب عليها بالخط الأسود العريض: "من غير نفاق حقنا عند الريس".

ورأى دياب أن خصم أكثر من 30% من رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة، سيؤدي بشكل مباشر وغير مباشر إلى زيادة الانقسام الداخلي وتفسيخ البنية الداخلية لأبناء الشعب الواحد، داعيا محمود عباس لإلزام الحكومة بوقف الخصومات وإرجاع الحقوق لأصحابها.

سياسات جديدة

وفي ذات السياق، أكد عدد من موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة أن قرار خصم 30% من رواتبهم أجبرهم على تغيير سياسات الصرف في حياتهم اليومية، مؤكدين أن ما تبقى من رواتبهم سيتم توجيهه إلى الضروريات والأساسيات فقط.

وشدد مختصون على أن قرار السلطة سيترك انعكاسات سلبية غاية في الخطورة، وستقل الحركة التجارية بشكل كبير، وهو ما سينعكس على جميع فئات المجتمع التي كانت تستفيد من رواتب موظفي القطاع.

أبو عمر أبو هربيد موظف شرطة، خصمت حكومة الحمد الله من راتبه 1200 شيكل، ليعود إلى بيته بـ500 شيكل فقط لا غير، ولا يعرف كيف سيصرفها على أطفاله السبعة أو على مستلزمات الحياة الكثيرة والتي تلاحقه من كل جهة.

وقال في حديث لـ"فلسطين" إن:" المبلغ المتبقي له بعد عمليات الخصم محتار في أوجه صرفه، هل سأدفع الديون المتراكمة علي لبائع الخضار، أو لصاحب السوبر ماركت، أو لدفع إيجار المنزل والذي يصل إلى 700 شيكل".

وأضاف أبو هربيد :" بعد هذا الخصم أخبرت جميع أفراد العائلة أننا ألغينا اللحوم بكافة أصنافها من حياتنا، كما أني سأتوقف أنا وزوجتي عن الدراسة في الجامعة ولن أرسل ابنتي للروضة هذا الشهر"، لافتاً إلى أنه في حال عدم قدرته على سداد ايجار المنزل الذي يعيش به سيعود للعيش في منزل عائلته.

وبين أنه بالإضافة إلى المصاريف السابقة تبقى رسوم الكهرباء المقدرة بـ180 شيكلا و62 شيكلا رسوما للبلدية، متسائلاً:" من أين سأوفر المال لكل هذه الالتزامات بعد ما تم خصمه من الراتب؟".

من جهته، أوضح الموظف في وزارة الاقتصاد الوطني أبو العبد البلبيسي أن عملية الخصم طالت 30% من راتبه حيث تم خصم 1000 شيكل منه، لافتاً إلى أن ما تبقى من راتبه سيذهب للأساسيات فقط.

وقال في حديث لـ"فلسطين" إن:" موظف السلطة في القطاع يتعرض لمؤامرة تقودها أطراف خارجية تهدف إلى احداث تغيرات كبيرة على حساب الموظفين البسطاء"، منوهاً إلى أن لديه ابنين يدرسان في الجامعة لن يكون قادرا بعد ذلك على دفع مصاريف تعليمهما.

وأضاف البلبيسي:" في حال استمرار عملية الخصم سأضطر إلى أن اكتفي بتدريس أحد الأبناء في الجامعة بالتناوب"، مشيراً إلى أن حاله أفضل من غيره لعدم وجود قروض أو التزامات بنكية عليه.

حركة تجارية

من جانبه، قال مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، ماهر الطباع إن:" قرار خصم 30% من رواتب موظفي السلطة المدنيين والعسكريين سينعكس بشكل كبير وبأثر سلبي على الحركة التجارية في القطاع".

وأوضح في حديث لـ"فلسطين" أن رواتب موظفي السلطة كانت في السابق تنعش الأسواق المحلية في القطاع لمدة عشرة أيام، إلا أنه وخلال الفترة الأخيرة أصبح تأثير رواتب موظفي السلطة محدودا للغاية.

وأضاف الطباع أن:" تراجع تأثير رواتب موظفي السلطة جاء بسبب الالتزامات المالية والديون البنكية المتراكمة عليه، بحيث أصبح من الصعب صخ أي سيولة نقدية في الأسواق "، لافتاً إلى أن 90% من موظفي السلطة عليهم التزامات مالية.

وبين أن كثيرا من موظفي السلطة بعد عملية الخصم لم يبق لديهم أي أموال ليصرفوا منهم أو يسددوا ما عليهم من التزامات خاصة الكهرباء، المياه، السوبر ماركت وبائع الخضار، مبيناً أن الحركة التجارية ستقل بشكل كبير.

ولفت الطباع إلى أن الشهور القادمة تحمل مواسم أبرزها شهر رمضان ثم عيد الفطر المبارك وبعده موسم فصل الصيف، وجميعها تحتاج إلى وجود سيولة نقدية في أيدي المواطنين لتدور عجلة الحركة التجارية في غزة.

آثار سلبية

في السياق ذاته، أكد الخبير الاقتصادي د. معين رجب أن قرار خصم 30% من رواتب موظفي السلطة المدنيين والعسكريين سيترك آثاراً اقتصادية سلبية، وسينعكس على جميع فئات المجتمع الفلسطيني.

وقال في حديث لـ"فلسطين" إن: قرار السلطة سيؤثر على الوضع الاقتصادي وسيجعل موظف السلطة متحفزاً ومتوقعاً مزيداً من الخصومات وهو ما سيدفع الموظف إلى المبالغة في الخوف في صرف الأموال التي بين يديه".

وأضاف رجب أن:" هذا الواقع سينعكس على الحركة التجارية بشكل تلقائي وسيقل من استهلاك الموظفين لاحتياجاتهم، وسيكتفون بالأمور الضرورية للغاية"، لافتاً إلى احتمال توقف التعامل بالدين بين الموظفين والكثير من المحال التجارية.

وأوضح أن هذا التأثير لن يقتصر على الحركة التجارية بل سيمتد إلى العلاقات الاجتماعية بين الناس أنفسهم، حيث سيؤدي القرار إلى عدم قدرة الموظفين على سداد الايجار، أو دفع الكهرباء والمياه، وغيرها من المشاكل الاجتماعية التي ستظهر بشكل جلي خلال الفترة القادمة في حال استمر الخصم.

وبين رجب أن قرار السلطة غير ملائم وليس عذراً لمواجهة أزمة العجز في موازنتها، لافتاً إلى وجود حلول أخرى كان الأولى اتباعها للتغلب على مشكلة العجز في الموازنة مثل الاقتراض من البنوك أو الصناديق السيادية أو طلب المساعدة من الدول العربية.