في العالم اليوم لا أحد يتحدث عن أوسلو إلا السلطة الوطنية وبعض كتاب الأعمدة في صحفنا اليومية. صحيح أن الاتفاق جاء مفاجئا وسمح بعودة الآلاف من المناضلين إلى وطنهم وأصدر شهادة ولادة لكيان كان من المفروض أن يكبر ليصبح دولة في خمس سنوات.
اليوم وبعد مرور ستة وعشرين عاما على هذا الاتفاق ما تزال القضية عالقة والحقوق تتآكل. التعقيدات التي تلت الاتفاق نجمت عن تضارب الأهداف التي أرادتها الأطراف من الاتفاق, فالإسرائيليون وظفوا الاتفاق للخلاص من المقاومة وادارة المناطق بلا أعباء والحد من الضغط العالمي وخلق وهم لدى الفلسطينيين يجري العمل على تخفيضه بالتدريج.
بخلاف التصورات الاسرائيلية اعتقد الفلسطينيون انهم قاب قوسين او ادنى وباشروا احتفالاتهم بالاستقلال وتسابقت القيادات المؤقتة على توطيد نفوذها على الطريقة العربية بعد ان خلعت البزة النضالية واستعاضت عنها بخطاب تصالحي ناعم يرضي الرغبات الاسرائيلية ويسهم في اطالة حالة الوهم.
بسبب أوسلو وأخواتها تناسى العرب ان الصهيونية تهدف ومنذ تأسيسها إلى اقامة دولة يهودية واسعة تمتد حدودها لتشمل كامل الارض الواقعة بين نهر الفرات شرقا والنيل غربا «وطن اسرائيل.. من الفرات إلى النيل». أيا كان الخطاب الصهيوني والادعاءات التي تنقلها الصحافة فمن المعروف للمتابعين ان لا وقت لديهم ليضيع بلا إنجاز فلا يمر يوم او مناسبة إلا وتعمل الماكنة الصهيونية على إحداث تغيير يساعد في تحقيق هذا الهدف. تارة بالعدوان العسكري وأخرى بالاستيطان ومرات اخرى بغسيل الادمغة وبتجنيد العملاء وبخلق اعداء وهميين وتحالفات تخترق الصف العربي وتعمل على صناعة قيادات صديقة في الجوار تعمل نيابة عنهم.
الإستراتيجية الصهيونية المبنية على مبدأ القضم والهضم التدريجي للأراضي بعد تفريغها من السكان حققت نجاحات كبرى وحازت على مباركة الإدارات الأميركية والدوائر المتعاطفة مع الصهيونية واحلامها. لأكثر من ثمانية عقود عملت المنظمات اليهودية على إثارة الرعب بين الفلسطينيين وقامت بشراء الأراضي وتهجير اصحابها واستقطاب الكثير من الفلسطينيين لدول صناعية اوروبية وغربية.
البراعة اليهودية في إنتاج أدبيات وتأويلات جديدة كانت أحد أسباب نجاحهم في الوصول إلى ما وصلوا اليه، فقد خلقوا قصصا وروايات وزوروا الاحداث والتاريخ وتلاعبوا في الآثار والادلة وأضفوا معاني ودلالات على اماكن وجماعات فشتتوا التفكير الانساني وخلخلوا قناعات البعض وأخافوا بعض الامم والشعوب. نجاح اليهود في ابتلاع الاراضي العربية لا يعود لتنظيمهم ووحدة هدفهم فحسب بل لتخاذل الامة العربية وترك امورها لحكام وقيادات منشغلة بثرواتها وملذاتها وادامة فترة وجودها في الحكم. بعكس الشعب اليهودي فلا وزن لما يقوله او يتطلع له المواطن العربي فقد جرى تجريده من الإرادة وأضحى بلا تأثير يشكو همومه وسوء أوضاعه وخيباته إلى الله.
اليوم وفي الوقت الذي يحتدم فيه الخلاف بين الاحزاب الاسرائيلية حول حجم وتوقيت الخطوة التوسعية القادمة تختفي غالبية الاصوات العربية ونسمع بعض الاصوات التي لا تتحدث الا عن اختلافات الصهاينة والفرق بين موقف كوشنر وفريدمان وماذا قال جو بايدن حول ما قام به ترامب وفيما اذا كان نتنياهو سيقوم بفعل الضم دون مباركة شركائه في الائتلاف او سيقوم بذلك دون اعتبار لمواقفهم.
الجماهير العربية الرافضة والغاضبة تستعين على الأعداء بالدعاء وتنتظر من الفلسطينيين في الداخل ان يشعلوا المقاومة. البعض يتطلع إلى ما يجري في اوروبا والداخل الاميركي والاسرائيلي ولا احد يعول على ما يمكن ان تقوم به القيادات العربية ويثق بما يقوم به البعض من تحركات.
قد يقدم الإسرائيليون على الضم أو قد يؤجلون قراراتهم ..المحزن ان ما قد يحصل لا يرتبط كثيرا بقوة الردع العربي او الخوف مما يمكن ان يحدث في شوارع المدن العربية بل لحسابات يجريها اليهود وحدهم وبمعزل عما يفكر به العالم.
الغد الأردنية