فلسطين أون لاين

خاص شموخ عاصم البرغوثي بين سجانيه يثلج قلب أمه ويزيدها فخرًا

...
غزة- فاطمة الزهراء العويني

مسيرة من المقاومة والتضحية أمضاها الشيخ أبو عاصف البرغوثي متنقلًا بين سجون الاحتلال الإسرائيلي، كان نتاجها أبناء سلكوا طريق العم نائل البرغوثي، لتصبح الأسرة موزعة بين أسير وشهيد، تُوِّجت أخيرًا بالحكم على الشاب عاصم بالسجن لمدة أربعة مؤبدات، لم تهز صمود تلك الأسرة، كما تؤكد الوالدة "أم عاصف".

كانت محكمة إسرائيلية حكمت في الخامس والعشرين من الشهر الجاري على الأسير عاصم بالسجن المؤبد أربع مرات، على خلفية تنفيذه عملية فدائية العام الماضي، غير أن ثباته في أثناء ظهوره الأول منذ اعتقاله لقي إشادات واسعة من الفلسطينيين.

نعمة الأسر والشهادة

فأم عاصف البرغوثي التي بات بيتها فارغًا من المحبين بعد إعادة الاحتلال لاعتقال زوجها أبو عاصف وابنها الصغير محمد منذ أربعة أشهر، واستشهاد صالح في 2018م والحكم بالسجن أربعة مؤبدات على عاصم، تحمد الله على نعمة الأسر والشهادة، وتؤكد أنها تستشعر رضا الله عنها من خلال تلك الأحداث.

لم تتفاجأ أم عاصف بالحكم الكبير على ابنها عاصم بعد العملية البطولية التي نفذها إذ كان الحكم متوقعًا، قائلة:" فأبنائي يسيرون على درب والدهم أبو عاصف الذي شق هذا الدرب منذ أربعين عامًا بشعاره (لما سلكنا الدرب كنا نعلم أن المشانق للعقيدة سلم) حيث إنه ورَّث صلاحه وجهاده لأبنائه بهدف أن يرضى الله عنه.

ورغم عظم وقع خبر استشهاد صالح على نفسها، حيث إنها كأم لم يهن عليها فراقه لكنها تعلم أن ذلك ثمرة دعائها بكل صلواتها لأبنائها بالصلاح في الحياة والممات، قائلة: "الحمد لله أنني أرى صلاحهم أمامي سواء بشهادة صالح واعتقال عاصم ومحمد ووالدهم".

وأضافت:" لو اطلعوا على صدرونا لعلموا ما في قلوبنا من سعادة لكوننا أصحاب رسالة نؤمن بأن الإنسان لم يُخلق ليشرب ويأكل، بل رسالتنا في الحياة هي مقاومة الاحتلال ونحن على العهد باقون لا نكل ولا نمل".

وتشير إلى أنه وإنْ كان الحزن يساورها كلما رأت ابن الشهيد صالح أمامها يعيش دون أب إلا أنها تتمنى أن تتمكن من تربيته كوالده الشهيد، ليسير على نهجه، حيث رفع شأن عائلته بين العرب والمسلمين في كل العالم الذين أثر فيهم استشهاده دون سابق معرفة لهم به.

"بكل الأحوال أجله قد انتهى لكن فرق بين نهاية وأخرى"، تقول أم عاصف: "ففي وقت استشهاد ابنها توفي جارنا -شاب في مثل عمره كان يستعد للزواج- في حادث سيارة. الاثنان انتهى أجلهما لكن فرق بين من اصطفاه الله من بين أبناء جيله شهيدًا وبين مَنْ مات بطريقة اعتيادية".

وتضيف: "عندما جاءني ضابط مخابرات الاحتلال ليقول لي: قتلنا ابنك، أجبته: لم تقتلوه لكن الله أكرمه من سابع سماء وأكرمنا معه، وهو أمر صعب أن تفهموه، فهو بالنسبة لنا شهيد، فقال لي ولكنك لم تستلمي جثته ولم تودعيها فأجبته أن كل فلسطين أرضنا، وأينما دفنتموه فهي ستكون حنونة عليه، وعدم تسليمكم لجثمانه لن يؤلمني فلا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها".

ذات الموقف عبر عنه والده أبو عاصف عندما قال له جنود الاحتلال: "قتلنا ابنك، مَنْ سيربي ابنه؟ فأجابهم: أما ربيته لهذه المرحلة، ومَنْ ربى ابني الشهيد صالح يربي حفيدي".

أما الأسير عاصم، فقد قضى قبل تنفيذه عمليته الفدائية قرابة 13 عامًا في سجون الاحتلال منها عام ونصف مع عمه الأسير نائل "أقدم أسير فلسطيني حيث يمضي عامه الأربعين في سجون الاحتلال"، فخرج متأثرًا بأوضاع الأسرى وما يتعرضون له ومصممًا على تنفيذ أعمال فدائية تسهم في تحريرهم.

عنفوان لا يهدأ

وأشارت الوالدة إلى أن عاصم يحمل نفسًا لا تهدأ وعنفوانًا كبيرًا يفوق إخوته جميعًا وكان متحمسًا للإفراج عن الأسرى ومنهم عمه نائل، قائلة:" فأبنائي متأثرون بوالدهم وعمهم وأجواء الجهاد في عائلتهم وبحمد الله لم نندم يومًا على ما أصابنا حتى باستشهاد صالح".

وتضيف:" حتى عاصم فقد تقبل حكمه كالأسد الهصور، وقد زرته وأخبرته بحجم تأثير صورته وهو ثابت في استقبال الحكم على الناس جميعًا، حيث تلقينا اتصالات من العديد من الشعراء والكتاب الذين أبدوا حيرتهم في وصف صورته التي عبرت عن نفسها، فقال لي (اوعي الدنيا توخدك أو تنغري يما المهم ربنا يرضى عنا)".

وعن وقع خبر الحكم الثقيل على أبو عاصف الذي ينتظر محاكمته وابنه محمد خلال الشهر القادم بتهمة "التحريض على الاحتلال"، قالت: "كان أبو عاصف متوقعًا الحكم من قبل أن يُعتقل حيث إن عاصم نفذ عملية فدائية من أقوى العلميات في تاريخ (إسرائيل) فبالتأكيد لن يكون حكمًا بسيطًا".

وأضافت: "فأبو عاصف قضى قرابة 27 سنة من عمره في السجن، وفي كل مرة كان يخرج أقوى من المرة التي قبلها، كالجبل الذي لا يهتز ونحن على يقين من رب العالمين بأن سجن عاصم لن يطول، ومؤمنون بقدرة مقاومتنا على تحريره".