لأن الأسئلة الملحة والشائكة كثيرة، ولأن الأسرة من أهم ركائز المجتمع التي ينبغي الحفاظ عليها، يستعد عدد من الشباب المبادرين لإطلاق ملتقى "لتسكنوا إليها" الثاني، وذلك في محافظة رام الله في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، لمدة يومين متتاليين، وذلك بعد مرور سنة على نجاح الملتقى بنسخته الأولى.
"فلسطين" تعرفت على الملتقى أكثر عبر حوار مع منسقته إباء أبو طه، والتي وضحت أن الملتقى جاء نتيجة وجود نقص في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية في فلسطين، وتقول: "تركيز الإعلام والفعاليات بالدرجة الأولى يكون على الجانب السياسي، ويليه الاقتصادي، ونحن نريد أن نسد هذه الفجوة، وأن نُنشئ جسورًا بين الشباب من جهة والمختصين والباحثين من جهة أخرى، لتوفير الإجابات عن الأسئلة المتعلقة باختيار شريك الحياة والحياة الزوجية".
ضعف الإنتاج الاجتماعي
وتضيف: "السبب الثاني لعقد الملتقى هو أن الإنتاج الثقافي العربي في المجال الاجتماعي ضعيف، وأقرب للمثالية فيما يطرحه وليس واقعيًا، أما السبب الثالث فهو عدم وجود مراكز مختصة في فلسطين تهتم بالتوعية باختيار شريك الحياة، وحل الخلافات بين الأزواج، والحفاظ على الأسر".
وتتابع عن الأسباب: "هذه المبادرة تهدف لكسر الخجل الاجتماعي المنتشر في مجتمعنا، فرغم التطور وعدم وجود القيود أمام السؤال والمعرفة، إلا أن معظم الشباب لا يزالون يخجلون من طرق أبواب النقاش فيما بتعلق بالزواج".
وتشير أبو طه إلى أن الأسرة من أهم ركائز المجتمعات، ويزداد الأمر أهمية في فلسطين، بسب الأوضاع التي يسببها الاحتلال، من تهميش وإقصاء وإذلال، خاصة في القدس والداخل المحتل، ومواجهة مشاكل الاحتلال تحتاج إلى تماسك أسري، فمثلًا الذل الذي يتعرض له الزوجان على الحواجز قد ينعكس على أسرهما، ولذا ارتأينا أن نخصص محورًا عن تربية الأبناء تحت الاحتلال.
ومن محاور الملتقى: "كيف يشكل الإعلام تصورنا عن الزواج"، و"فترة الخطوبة بين الاكتشاف والتظاهر بالمشاعر"، و"المرأة العاملة وتكتيكات الحفاظ على الحياة الزوجية"، و"العلاقات الافتراضية كمدخل للزواج في المجتمعات المحافظة"، و"الزواج تاريخيًا.. كيف وصلت الطقوس إلى هنا؟".
وتبين أبو طه أن محاور الملتقى منها ما تم التطرق له في النسخة الأولى، وتم تكراره حاليًا والاتفاق على طرحه سنويًا لأهميته، ومنها ما هو جديد يتغير من عام لآخر آخذًا بعين الاعتبار المتغيرات والمستجدات واحتياجات الشباب المختلفة.
ومما يهتم به الملتقى أيضًا، أن يتناول القضايا التي لم تتناولها الكتب، وعن ذلك توضح أبو طه: "هذه القضايا كثيرة، قد تبدو تفاصيل صغيرة، ولكنها في الحقيقة مهمة جدًا، وقد تحدد مسار الحياة الزوجية، مثل الفروق العلمية بين الزوجين، وقبول أو رفض أن يكون أحد شريكي الحياة حضريًا والآخر قرويًا، وبعض المعايير الخاصة باختيار الطرف الآخر، والحديث عن السنة الأولى من الزواج وما فيها من مشاكل والإنجاب خلالها أو تأخيره، وكذلك فترة الخطبة وما إن كانت للتعبير عن الحب للطرف الآخر أم لاكتشافه".
واقعي لا نظري
ولتوصيل هذه الأفكار وغيرها، ارتأى القائمون على الملتقى أن يتطرقوا إليها من خلال رؤية شبابية، فما أهمية ذلك؟ وأين خبرة كبار السن؟ تجيب: "أردنا أن يكون الملتقى واقعيًا لا نظريًا، لذا قسمناه إلى نصفين، الأول يشمل محاضرات للأخصائيين كل في محور خاص به، والثاني شبابي واقعي، ليتحدث الشباب عن تجاربهم وما عايشوه في زواجهم، وكيف تعاملوا مع بعض التفاصيل، وبذلك نتيح الفرصة للخبير ليعطي مفاتيح الحياة الزوجية، وللشباب ليبينوا كيفية تعاملهم مع هذه المفاتيح".
وتقول: "في أي ورشة عمل أو ملتقى أو مؤتمر، يهتم المنظمون بتقديم إجابات لكل الأسئلة، ولكن وفقًا لتجربتنا الأولى فليس شرطًا أن نقدم كل الإجابات، بل قد تكون إجاباتنا مفتاحًا لأسئلة أخرى تساعد الشباب في حل بعض مشاكلهم وإعادة التفكير في بعض أفكارهم وطرقهم في التعامل.
تعطش شبابي
وتلفت إلى أن إقبال الشباب على التسجيل للمشاركة في المؤتمر كبير، ما يدل على تعطّشهم لمثل هذا النوع من الفعاليات، مبينة أنه من المقرر اختيار 200 مشارك، وقد يزيد العدد إن كان الإقبال كبيرًا.
وتوضح أن الموافقة على طلبات المشاركة تعتمد على ثلاثة معايير، أولها المعيار الجغرافي، إذ الأولوية لسكان المناطق المهمشة لغياب المبادرات المشابهة في مناطقهم، وكذلك معيار الارتباط، أي أن يكون الشخص مخطوبًا أو متزوجًا أو مقدمًا على الزواج، وأخيرًا معيار يتعلق بالمشاركة في المؤتمر السابق، فالأفضلية لمن لم يشارك.
وبحسب أبو طه، فإن ملاحظات القائمين على الملتقى في العام الماضي، هي ما دفعهم لتكرار التجربة، حيث لاحظنا أن بعض الشباب ينظر للزواج بطريقة مثالية لا واقعية، ويؤثر ذلك في اختياره لشريك الحياة، والعلاقة به، وكذلك كثرة تساؤلاتهم عن الكثير من القضايا، وعدم وجود تحركات مشابهة من أي جهة.
وتشير إلى وجود مخططات لتحويل الملتقى إلى مؤسسة بعد خمس سنوات، على أن تهتم المؤسسة بتقديم الدورات والمساعدة في الارتباط بين الشركاء، والاهتمام بالأبحاث والدراسات.
وتتحدث أبو طه عن مجموعة من التحديات التي اعترضت طريق تنظيم الملتقى، أهمها غياب التمويل، ثم عدم وجود أخصائيين داخل فلسطين، ما أوجب الاستعانة بأخصائيين من الخارج واستقبال مشاركاتهم عبر الإنترنت، وأخيرًا غياب الكادر الشبابي المتطوع.