منذ بدأت انتفاضة الأقصى سنة 2000، وحتى يومنا هذا، وغزة تعيش المعاناة والحصار، ويشهد أهل فلسطين كلهم أن عدوهم الإسرائيلي أخرج لهم كل أنواع البطش والذبح مجرد أن تمردوا على اتفاقية أوسلو، وطالبوا بحقوقهم الوطنية.
وفي عام 2002، بلغت الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني المنتفض ذروتها، حين شن العدو عملية عسكرية على الضفة الغربية، سماها "السور الواقي"، قتل واعتقل ونسف ودمر واقتحم، ومارس كل الإرهاب، حتى وصل الأمر إلى تهجير مجموعة الشباب الذين تصدوا للعدوان في كنيسة المهد، وما زالوا مبعدين إلى غزة وخارج الضفة الغربية حتى يومنا هذا، ولا جرم لهم إلا أنهم قاتلوا الاحتلال.
في تلك الفترة من الانتفاضة مزق العدو غزة إلى ثلاث قطع متناثرة، وأغلق المعابر، وضيّق على المسافر، حتى صار العابر من غزة إلى خان يونس يبيت ليلة في العراء على الحاجز الإسرائيلي، وصار المسافر من غزة إلى مصر يحتاج إلى العبور عن حاجز أبو هولي أولاً، ثم الانتظار على معبر رفح عدة أيام أو ساعات، قبل أن يحشر مع 17 راكبا في سيارة حمولتها الطبيعية 7 ركاب فقط، لتنقله السيارة عدة أمتار إلى داخل نقطة التفتيش الإسرائيلية.
هل نسيتم يا أهل غزة ذلك؟ الرجوع إلى التاريخ يهدف إلى التذكير بأن الحصار على أهل غزة والضفة كان مفروضا عليهم قبل أن تلد حركة حماس، وقبل أن تفوز بالانتخابات التشريعية، وقبل أن تصير لها سلطة ونفوذ.
لقد استمرت الاقتحامات والمناوشات والمواجهات بين رجال غزة والعدو الإسرائيلي كل سنوات الانتفاضة، وما زلت أذكر آخر اقتحام لمنطقة حي الأمل في خان يونس بتاريخ 28/12/2004، في ذلك اليوم اقتحم الجيش الإسرائيلي منطقة غرب حي الأمل، وسيطر على بيتنا، ووقعت أنا وكل أفراد عائلتي رهائن لدى الجيش لمدة ثلاثة أيام، صار خلالها بيتنا موقعا إسرائيليا، يطلق النار على سكان حي الأمل، ورغم الاقتحامات فلم تهزم غزة، ولم تتراجع المقاومة، وتمكن الرجال بفعل المقاومة من تطهير غزة، ومن اقتلاع المستوطنات اليهودية في شهر 8/2005، حين انسحب شارون، وهو يهدد بسحق غزة إن أطلقت على إسرائيل رصاصة واحدة.
ولم تهدأ غزة، ولم تهنأ بالخلاص من الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض السكينة والهدوء على أرض الضفة الغربية بعد استشهاد أبو عمار، حيث سيطرت قوى الأمن الفلسطينية على الأوضاع هناك، وأنهت الانتفاضة، واستتب الأمن للإسرائيليين، أما غزة، فقد أعلنت تمردها على الخنوع، رفضت الانصياع لقرار الأجهزة الأمنية، ورفضت تسليم سلاحها، ورفضت أن تعود ثانية إلى خطيرة التنسيق الأمني، فقامت عليها قيامة الاحتلال، واشتد الحصار.
وحتى يومنا هذا وغزة تحمل البندقية، وتمشي على حد السيف الفاصل بين السطوع والركوع، وبين أن يكون لنا الوطن أو نكون إجراء لمغتصبي الوطن، لذلك تخوض غزة معركة المصير من أجل فلسطين، تخوضها غزة، وتتحمل تبعاتها من حصار وتجويع وقطع رواتب واستنزاف موارد، وليس لغزة إلا الصبر والانتصار، أو خلع ما يستر العورة الوطنية والانتظار.