فلسطين أون لاين

المُسنُّ نصار في يوم اللاجئين: حتمًا سنعود

...
غزة-هدى الدلو

بخطوات واثقة يرتكز فيها على عكازه الأسود، ترك مجلسه بين أحفاده وبحث عن مكانٍ أكثر هدوءًا ليحكي قصة عائلة وقرية وبلدة بل وشعب بأكمله عاش الألم وتذوق الوجع في تهجير مريع على يد العصابات الصهيونية سنة 1948.

يسرد المسن منسي نصار (84 عامًا) تفاصيل أحداث مأساوية، متمنيا لو كانت خطواته هذه نحو قريته "بيت دراس".

يشرح لصحيفة "فلسطين" الحقبة الزمنية الأليمة بالنسبة للفلسطينيين –أحداث النكبة- عندما كان عمره لا يتجاوز 12 عامًا، إذ انخرط مع أبناء حيه في أنشطة المقاومة وبتوزيع الرصاص على المجاهدين، وتعبئته في بيت النار.

في بداية الأحداث كان يجلس مع إخوته وأبناء عمومته أمام مستوطنات الاحتلال البريطاني يشاهدون تدريبات العصابات الصهيونية ويضحكون عليهم، ولم يخطر ببالهم أنه سيأتي يوم يستوطنون فيه البلاد، ويهجرون أصحابها الأصليين الفلسطينيين.

وبدأت الاشتباكات تدور رحاها مع ساعات الفجر بين الفدائيين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية في القرى لقلة أعداد السكان فيها، فكان والده لا تغفى عينه إلا وسلاحه بجانبه، خوفًا من الاقتحامات والاعتداءات، وقد استشهد في أرضه وهو يدافع عن كروم العنب والتفاح.

لم تسلم عائلة نصار من "إغراءات" البريطانيين بالترحيل إلى المملكة الأردنية الهاشمية مجانًا والعمل على توفير عمل هناك، إضافة إلى إعطائهم مبلغًا يمكِّنهم من العيش لمدة عامين.

يضيف: "كانوا يهددوننا بفتح مخازن الأسلحة للصهاينة، ويقولون لنا إنها ليست بلادنا وسيتم تسليمها لهم".

بعدها بدأ عدوانٌ دامٍ، واستخدمت العصابات الصهيونية المدافع لأول مرة، ومع ذلك دافع الفلسطينيون عن أرضهم بأغلى ما يملكون "أرواحهم"، ولكن عنجهية الصهاينة طردت الناس من بيوتهم وقراهم، وقلب موازين المعركة تدخل الدول العربية، فما كان من والدة نصار إلا أن تغلق باب بيتها وتأخذ أبناءها وتسير بهم في طريق طويلة ومجهولة حتى وصلوا المجدل.

يتابع نصار: "كنا نتوقع أن العودة إلى بيتنا وقرانا مسألة وقت، ولكن طال الأمر، ففي ليلة حالكة السواد عدت مع أخي إلى البيت لنطمئن عليه، ونحضر الذهب والفلوس التي تركناها خلفنا، كنت أمشي رغم الخوف وأنا متشوق لأرى البيت، ولكن رائحة نفوق الطيور والخراف أفسدت عليّ كل شيء".

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فبعد ستة أشهر من مكوثهم في المجدل، أجبرتهم العصابات الصهيونية قسرًا مرة أخرى على الهجرة، فانتقلوا بين الحقول الزراعية إلى هربيا، وأخيرًا إلى غزة.

قسمات وجه نصار وتجاعيده تحكي ألمًا ووجعًا عمره 72 سنة، فحتى هذا اليوم لا يزال الحنين إلى أرضه، وتشبثه بعادات أجداده على أمل عودة قريبة يرويان ظمأ تلك السنين الطويلة.

أما مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية التي انطلقت في 30 مارس/آذار 2018 فقد كان مشاركًا دائمًا فيها، حيث حاول كل مرة أن يصل إلى أقرب نقطة عله يشتم رائحة بلاده، مردفا: "كنت انتظر من الجمعة إلى الجمعة لأشارك في المسيرات، لأطالب بحقي في العودة إلى قريتي".

وكل يوم يجتمع نصار مع أبنائه وأحفاده ليؤكد لهم عودتهم القريبة إلى قريتهم رغم المخططات الأمريكية الإسرائيلية، "فالشعب الفلسطيني جبار لا يمكنه أن ينسى بلده".

ويوجه رسالة لأحفاده في اليوم العالمي للاجئين الذي يوافق 20 يونيو/حزيران سنويا: "إياكم إياكم أن تفرطوا في شبر من أرض فلسطين، فلا يمكن أن ينساها إلا ظالم، لأننا حتمًا سنعود".

وقد قدَّم اثنين من أبنائه شهيدين في سبيل الدفاع عن وطنهما، وثالثا أُفرج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد أن قضى 15 سنة.

وتشير سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في عام 2018 نحو 6 ملايين لاجئ، وهذه الأرقام تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، وهم بذلك يشكلون ما يقرب من نصف الفلسطينيين في العالم البالغ عددهم نحو 13 مليون نسمة.

كما بلغت نسبة اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث في الضفة الغربية في عام 2018 ما نسبته 17% من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث مقابل 25% في قطاع غزة. أما على مستوى الدول العربية فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأردن حوالي 39% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين، في حين بلغت هذه النسبة في لبنان وسوريا حوالي 9% و11% على التوالي.

ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن 26% من الفلسطينيين في الضفة الغربية لاجئون، في حين بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزة 64%.