كانت سعيدةً للغاية، تمدّ ذراعها "للنقّاشة"، وتنظر بشوقٍ لحركة كفِّها الضاغطة بدقّة على قمع الحنّاء البلاستيكي، خطوطٌ دائريّةٌ وأخرى ممدودة، بعضها متقطِّع وغالبها موصول، تغوص الصغيرةُ بعينيها العسليّتين في ثنايا الزّخرفة التي بدأت تُشكّل منظرًا جذابًا على ظهرِ كفِّها الصغير.
الطفلة سجود نبهان 12 عامًا من سكان جباليا، تنتظر على أحرّ من الجمر ذلك اليوم الذي ستنقش فيه الحناء على يديها، تقول لـ"فلسطين": "كنت سأطير من الفرح لما عرفت أن خالي سيتزوّج، فهذه فرصتي لنقش الحناء على يديّ".
وتضيف: "حين ينتهي العرس وأذهب للمدرسة تتجمّع حولي كلّ صديقاتي ليتفرّجن على "النقش"، وجميعهن يتمنين أن يفعلن".
ملامح الغيرة بدت على غالبية الطفلات في بيت الجدّ "أبو خالد شعبان"، والبعض منهن بكت، سألتهن عن السبب، فالعرس موعد مع الفرح وليس البكاء، فزّت الحفيدة ياسمين ثاري لتوضح أنهن يُرِدنَ نقش أذرعهنّ وأرجلهنّ أيضًا.
تضحك الجدّة أم خالد –أم العريس- والتي بدت عليها علامات الإرهاق واضحة وتقول: "يُرِدن نقش اليدين والرّجلين فتلك عادتُنا قبل العرس، لكن الكمية التي اشتريناها ووصينا عليها محدودة، ولا تسمح للنقش للجميع، والوضع المادي ميسور ومصاريف العرس كثيرة".
النقّاشة سماح شعبان -22 عامًا- من نفس العائلة جهزت نفسها منذ الصباح لتنقش كل نساء وطفلات البيت، فهي معتادة على الأمر مذ كانت في عمر الثانية عشرة.
تقول لـ"فلسطين": "أحب الرسم كثيرًا وأبدع فيه، لذلك فكّرت في أن أستخدم الحناء في الرسم من خلال النقش الخليجي والهندي، ومنذ تلك اللحظة وأنا التي أنقش لقريباتي في أفراحِنا، ولا أتعامل مع الأغراب".
تراث
وتضيف: "النقش يشعرنا بالفرح وهو عماده في كل عرسٍ من أعراسنا نحن أهل جباليا المواطنين تحديدًا، كما أنه من تراثنا القديم الذي لا نتخلّى عنه مهما مرّ الزّمان، إضافة إلى أنه يغني عن الإكسسوارات".
وتتبع: "نقش الحناء يكون بالعادة قبل يوم أو اثنين من سهرة الشباب التي يتم فيها تحنية العريس أيضًا وسط زغاريد النساء وأغاني الفرح.
تخبرنا أم العريس: "هذا المشهد من أكثر المشاهد التي تبكيني فرحًا، أرى أن ابني كبر حقًا وبات مسؤولًا، حيث نفرد شيئًا من الرمل في صينية ونغرس بها الشموع ومن فوقها نُحنّي العريس ونبارك له عرسَه".
وفي الوقت الذي ينبهر الكثيرون بنقش الحناء يتراجع البعض عن التزين به تمامًا.