لا أموال لدينا تغطي رواتب الموظفين، ومن الممكن أن يتأخر الصرف لعدة أشهر، وربما يصير الصرف بنسبة 30% كما ذكر متحدث باسم وزارة المالية، لتصير نسبة الصرف المتوقع تناسب نسبة الضم المتوقع، في مقاربة تترك الشعب الفلسطيني مندهشًا من قرارات السلطة التي أوجعت الفلسطيني، وتركت الإسرائيلي يستمتع بالهدوء والأمن.
أحد المسؤولين في السلطة يقول: رفضنا تسلم أموال المقاصة، وآخر يقول: بل هي إسرائيل التي ترفض تسليمنا أموال المقاصة، هذا التخبط في التصريحات لا يعكس التخبط في القرارات؛ وإنما يعكس دراية القيادة بالآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لعدم تسلم أموال المقاصة على حياة الناس، وهذه رسالة شؤم تؤكد أن لقمة عيش الفلسطيني قد صارت مربوطة بذيل القرارات الإسرائيلية، والمسؤولية هنا تلقى على عاتق السلطة الفلسطينية، التي ظلت مرهونة لأموال المقاصة منذ سنة 1994 وحتى اليوم، دون أن تفتش عن بديل لهذا الواقع الهزيل.
كثيرة هي الاجتهادات عن أسباب قطع رواتب الموظفين، فبعضهم يقول: لقد تم قطع رواتب العاملين مع منظمة التحرير قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو، لتمر الاتفاقية بسلاسة، ودون اعتراض جدي من كوادر المنظمة، فجميعهم كان غارقًا في همومه الذاتية، وحدث هذا في أثناء انتفاضة الأقصى، وصارت الرواتب مرهونة بوقف الانتفاضة، وحدث هذا بعد انتخابات المجلس التشريعي، والنتائج التي لم تكن على خاطر البعض، وقد قطعت الرواتب حتى شكل سلام فياض رئاسة الحكومة، ويحدث قطع الرواتب هذه الأيام، حتى صار حديث الناس عن الأوضاع الاقتصادية المهينة أكثر أهمية من الحديث عن ضم الضفة الغربية!
وبعض العارفين يقول: إشغال الناس هدف لقطع الرواتب، ولكن قطع الرواتب في زمن الضم الإسرائيلي له أهداف أخرى تتمثل في المطالبة بتفعيل شبكة الأمان العربية، وقد يبدو قطع رواتب الموظفين فرصة لقيادة السلطة كي تطالب الدول العربية بالمزيد من الدعم المالي.
وبعض الإسرائيليين يقول: الهدف من قطع الرواتب هو تجويع غزة، وتحريض سكانها على الثورة ضد المقاومة، أو الانفجار في وجه إسرائيل، وفي تقديري فأن مسعى تفجير غزة من الداخل قد خاب، فقد دللت الأيام أن أهل غزة أكثر وعيًا وانتماءً وصبرًا مما يظن الأعداء.
ويقول البعض: إن قطع الرواتب بهدف إلى تحميل الاحتلال مسؤولية رواتب موظفي الضفة الغربية، ولا سيما أن قيادة السلطة قد طالبت من الجنرال الإسرائيلي كميل أبو ركن أن تتحمل حكومته الإسرائيلية مسؤوليتها عن رواتب الموظفين مطلع شهر تموز؛ الشهر الذي سيبدأ فيه الضم، كما ذكرت ذلك الصحف العبرية، وفي هذه الحالة فإن النتيجة مزيدًا من التفرقة بين موظفي غزة وموظفي الضفة.
الاجتهادات كثيرة حول قطع الرواتب، ولكن النتيجة واحدة، فقد بات المجتمع الفلسطيني أكثر ضعفًا، وأقل ثقة بقرارات القيادة، وأبعد خطوة مع الجوع عن مواجهة مخططات الضم.