أولًا: خيارات (إسرائيل)
ثلاثة آراء يتمحور المجتمع الإسرائيلي حولها فيما يتعلق بالضم:
الأول: الضم الجزئي، يتبناه نتنياهو ويرى أن الفرصة مواتية لتحقيقه، وجوهره فرض السيادة على ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية (منطقة الأغوار).
الثاني: الضم الكلي، ويتبناه جزء كبير من المستوطنين وجوهره يقوم على ضم كل المستوطنات بالضفة.
الثالث: يرفض الضم انطلاقًا من خشية هؤلاء بأن يؤدي قرار الضم لنتائج عكسية، بحيث يرون أن المناطق التي يتحدث عنها نتنياهو هي تحت السيطرة الصهيونية، وعليه فإن مثل هكذا خطوة ممكن أن توحد الفلسطينيين، وتحيي القضية الفلسطينية التي حسب تقديرهم بأنها تراجعت كثيرًا نتيجة ظروف ذاتية وموضوعية.
وفقًا لما سبق فإن خيارات الحكومة الائتلافية في (إسرائيل) يحكمها أربعة محددات:
• مدى جدية الأطراف الرافضة لقرارات الضم، وهنا سيكون العين على جدية خطوات الرئيس عباس وقدرته على تحريك الضفة وغزة والقدس، والذهاب باتجاه محكمة الجنايات، وقيادة حراك دبلوماسي إقليمي دولي مؤثر.
• حقيقة الموقف الأمريكي المنقسم ما بين تأييد الخطوة وما بين أن تكون خطوة الضم مرتبطة بعملية سياسية مع الفلسطينيين لتنفيذ صفقة القرن.
• حقيقة الموقف الأوروبي وماهية الخطوات التي يستطيع الاتحاد على تنفيذها وأثرها على دولة الاحتلال.
• الموقف العربي وتحديدًا الأردني وهل ممكن أن يؤدي قرار الضم لإلغاء اتفاق وادي عربة بين المملكة و(إسرائيل)، انطلاقًا من المخاطر التي سيترتب على قرار الضم على الأمن القومي الأردني، لأن الخطوة التي تلي الضم ستكون ترانسفير تجاه الأردن (الوطن البديل).
في تقديري إن أدركت الحكومة الصهيونية بأن المحددات الأربعة قائمة وحقيقية فأعتقد أن نتنياهو ربما يؤجل خطوة الضم، ولكن حسب قراءتي لمجريات الأحداث أعتقد أن أغلب المحددات السابقة تبقى تسير ضمن السياق الإعلامي ولم تصل لمرحلة التنفيذ والتأثير الفعلي، وهو ما يعزز خيار الضم الجزئي، وتبقى الكرة في ملعب الدبلوماسية الفلسطينية لتحريك هذه المحددات الأربعة.
ثانيًا: خيارات عباس
يدرك الرئيس عباس أكثر من غيره مخاطر الضم وصفقة القرن والاستيطان على القضية الفلسطينية، ووفقًا لذلك اتخذ قرارات تاريخية أهمها التحلل من كل الاتفاقيات مع (إسرائيل).
نعم، اتخذ قرارات مهمة، ولكن الأهم ما هي القدرة الفلسطينية لتنفيذ هذه القرارات، أعتقد أنها شبه معدومة، فالسلطة مرهون دعمها وديمومتها واستمراريتها بدورها الأمني والوظيفي الذي قادت أطراف دولية وإقليمية رسم مساراته، وعليه عند أول خطة لتنفيذ القرارات ستتوالى الأزمات الداخلية، فلا أعتقد أن إقامة سلطة تحت الاحتلال أو إعلان دولة تحت الاحتلال ممكن أن يكون مؤثرًا في ظل نظام غابت عنه العدالة وسادت ازدواجية المعايير على مؤسساته الدولية على قاعدة البقاء للأقوى وليس لصاحب الحق.
وفقًا لما سبق فإن خيارات الرئيس ستتمحور حول:
1. الحراك الناعم، عبر توظيف القوة الناعمة السياسية والإعلامية وغيرها لمواجهة قرارات الضم، واتخاذ خطوات لترسيخ مؤسسات الدولة تحت الاحتلال.
2. الحراك المختلط وجوهره المزاوجة بين القوة الناعمة والقوة الخشنة عبر دفع الشارع لنضال سلمي تستطيع القيادة الفلسطينية السيطرة والتحكم عليه.
3. التضييق غير المباشر على غزة عبر خطوات جديدة لدفع غزة نحو الانفجار في وجه الاحتلال كورقة قوة يوظفها ويستثمرها الرئيس دون دفع أثمان مباشرة.
4. الحراك الخشن، وأن يذهب الرئيس بحل كامل السلطة ودفع الشعب لانتفاضة شعبية عارمة، وهذا أضعف الخيارات لأنه لا ينسجم وشخصية الرئيس، ويتعارض مع جماعات المصالح.
ثالثًا: خيارات حماس
حركة حماس تتأمل المشهد وتنظر إليه ضمن مسارين:
الأول: سعيدة لفشل مشروع التسوية، وتراجع مهندسه الأول عنه (محمود عباس) ما يؤكد صوابية طرحها ونهجها وبرنامجها.
الثاني: قلقة في التعاطي مع تداعيات قرارات الرئيس.
هذا التناقض الذي تعيشه الحركة من وجهة نظري، لا تعيشه حماس وحدها بل الحركة الوطنية الفلسطينية ككل، حيث نجحت (إسرائيل) منذ زمن في تقسيم الفلسطينيين إلى خمسة أقسام هي: (قطاع غزة -القدس -الضفة الغربية -فلسطينيو 1948م -الشتات والمنافي).
وأشغلت (إسرائيل) كل منطقة بهمومها، وزاد الانقسام الفجوة بين المناطق الخمسة، حتى أصبح كل طرف متمسكًا بمكتسبات وهمية يخشى عليها من خصومه السياسيين، وهو ما أصاب القرار الفلسطيني بنوع من الاضطراب والتناقض، وأصاب الرأي العام الفلسطيني بحالة من الإحباط وعدم الاكتراث، وهذه المرحلة الخطرة التي نعيشها عي السبب المباشر في تجرؤ العالم على مشروعنا الوطني، وحقوقنا السياسية.
وفق ما سبق فإن خيارات حماس للتعاطي مع قرارات عباس سأجملها وفقًا للأكثر ترجيحًا:
1. الانتظار والترقب: جوهر هذا الخيار يتمثل في فحص مدى جدية الرئيس في الانتقال من مرحلة النظرية إلى مرحلة التطبيق، وتمتلك حماس في الضفة المحتلة مؤشرات قياس تستطيع من خلالها فهم توجهات عباس وإلى أي اتجاه يسير، فإن كان صادقًا في حديثه فهذا يعني تطابقًا في المواقف وعليه أتوقع أن تنتقل حماس إلى الخيار الثاني الذي سأسرده بعد قليل، ولكن قبل الذهاب لا بد من وضع بعض المؤشرات التي تعكس جدية الرئيس في تنفيذ قراراته وقدرته على التنفيذ في ظل وجود جماعات مصالح قوية ترى في هذه القرارات تهديدًا مباشرًا على مصالحها، وتطمح في خلافة عباس في حال حققت نجاحًا في إفشال تنفيذ هذه القرارات، ومن أهم هذه المؤشرات خمسة:
• تعاطي الأجهزة الأمنية مع مناطق (ج) ومع اقتحامات (إسرائيل) لمناطق (أ) المتكررة.
• ملف المعتقلين السياسيين في الضفة، والعلاقة مع قطاع غزة.
• الملف الاقتصادي والتحرر من اتفاقية باريس الاقتصادية.
• محكمة الجنايات الدولية وجدية السلطة في تقديم ملفات قضائية ضم جرائم الاحتلال.
• القبضة الأمنية الفلسطينية على المقاومة الفلسطينية شعبية كانت أو مسلحة.
2. الدعم والمساندة: في حال وجدت حماس أن الرئيس جاد في تنفيذ خطواته فإن فرص الدعم والمساندة والتحالف معه ستكون قوية، وهو ما يعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني عبر وحدة ميدانية وجغرافية ستكون الرد الأقوى والأنسب على ما يجري من مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية.
3. خيار قطف الثمار: ويقوم هذا الخيار على ترك عباس يلقى مصيره ويتحمل نتائج ما زرعت يداه، ويقطف الثمرة وحده بحلوها ومرّها، وهذا الخيار حتى وإن كان له وزن فإن نتائجه وخيمة على المشروع الوطني، وعليه أرى أنه أضعف الخيارات.