تواصل الإدارة الأمريكية التي تتغنى بالديمقراطية سياسة العنجهية وضرب كل القوانين والأعراف الدولية بعرض الحائط، باستخدام سلطتها وقوتها من خلال فرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية.
وفرض الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عقوبات على مسؤولين في "الجنائية الدولية" على خلفية التحقيق في "جرائم حرب محتملة" ارتكبت بأفغانستان، دون الحصول على موافقة واشنطن.
ويشمل الأمر التنفيذي فرض عقوبات اقتصادية على موظفي المحكمة المعنيين بالتحقيق مباشرة مع مسؤولين أمريكيين، وتعليق إصدار تأشيرات دخول لهم ولعائلاتهم، بحسب وكالة "أسوشيتيد برس".
ويبقى السؤال المطروح هنا في ظل سياسة العنجهية التي تنتهجها الولايات المتحدة، حول إمكانية أن ينسحب هذا الأمر عند محاسبة مجرمي الحرب في دولة الاحتلال الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد المدنيين في الأراضي الفلسطينية، تزامناً مع قرب فتح التحقيق معهم.
ويؤكد حقوقيون أن سياسة الإدارة الأمريكية لن تتغير، كونها تُعطي الضوء الأخضر لقادة الاحتلال بارتكاب مجازر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضمن محاولاتها لتصفية القضية.
انتهاك للقانون الدولي
الخبير في القانون الدولي د. عبد الكريم شبير، عدّ التفرد من ترامب "انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني والجنائي الدولي وحقوق الإنسان وكل الاتفاقيات والأعراف الدولية".
وقال شبير في حديثه مع "فلسطين": "عندما يصرّح ترامب أنه سيعاقب قضاة المحكمة الجنائية، فهذا انتهاك خطير وفاضح للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية".
ولم يستبعد أن ينطبق ما أعلنته الإدارة الأمريكية على الأراضي الفلسطينية، خاصة مع وجود موقف معلن من المدّعية العامة للمحكمة بأن الولاية القضائية للجنائية تنطبق على الأراضي الفلسطينية.
وأضاف: "ننتظر أن يكون للدائرة التمهيدية في الجنائية الدولية تأكيد للتقرير، وأن يصبح الموقف الصادر عنها حكما مبدئيا باعتماد التقرير الخاص بالنظر في جرائم الحرب الصهيونية في الأراضي الفلسطينية حسب الأصول والقانون".
وأوضح أن الإدارة الأمريكية بدأت تتخبط بعيداً عن المبادئ القانونية السامية، وأهمها سيادة القانون واحترامه، وهو مبدأ دستوري لكل الدول المتحضرة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تفقد صوابيتها في هذا المجال، رغم أنها تدّعي أنها دولة قانون وديمقراطية وتحاسب كل من ينتهكه.
وبيّن شبير أن الإدارة الأمريكية أصبحت الآن رأس الحربة في انتهاك القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، بل ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد احترام سيادة القانون وتنفيذه واستقلالية القضاء.
شريعة الغاب
بدوره قال الحقوقي صلاح عبد العاطي إن قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على "الجنايات الدولية"، يأتي في سياق اقتراب موعد التحقيقات في ارتكاب القوات الأمريكية انتهاكات جسيمة ترقى لمستوى جرائم الحرب في أفغانستان، وأيضا اقتراب البت للدائرة التمهيدية في الولاية الجغرافية لمحكمة الجنايات في الشأن الفلسطيني.
وأوضح عبد العاطي في حديث مع "فلسطين" أن الولايات المتحدة وقياداتها السياسية والعسكرية و(إسرائيل) كذلك باتت عرضة للملاحقة والمحاسبة الدولية".
ورأى أن القرار الأمريكي يأتي في إطار "البلطجة وتطبيق شريعة الغاب بديلا عن لغة القانون الدولي"، من خلال شن الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال هجوما كاسحا على محكمة الجنايات الدولية.
وشدد على أن "القرار يتعارض تماماً مع قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني"، مضيفًا: "الأصل أن يكون عليها التزام القانون الدولي والأخلاقي لمحاسبة مجرمي الحرب أو مقترفي الانتهاكات الجسيمة".
وبيّن عبد العاطي أن "الأولى في الولايات المتحدة و(إسرائيل) عدم التهرب والتذرع بذرائع واهية، وشن هجوم على محكمة مناط بها محاسبة مجرمي الحرب".
وطالب المجتمع الدولي وكل أحرار العالم والحقوقيين بضرورة التصدي لهذه المحاولة الهادفة لإحداث تغيير في النظام الدولي والتأثير على عملها.
ورجّح عبد العاطي أن ينسحب قرار الولايات المتحدة على مجرمي الحرب في دولة الاحتلال عند محاسبتهم على جرائمهم في الأراضي الفلسطينية، خاصة مع قرب فتح تحقيقات في جرائم الحرب الإسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ليست من الدول الموقّعة على معاهدة تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، ولا تعترف بسلطتها على المواطنين الأمريكيين.