علق منجله في جيب بنطاله، ولف أحبالا سوداء على خصره لربط حزم القمح المكومة على الأرض بعد حصادها، وأحكم رباط الكوفية على رأسه، ثم ارتدى قفازات واقية في يديه من الأشواك النامية بين سنابل القمح.
بدأ ينتقل بين الأكوام، ومن منطقة لأخرى بحركات من الجمباز والقفزات الدورانية، مستخدمًا موهبته في أثناء عمله مع أحد المزارعين، الذي التحق به اخيرا للتفريغ عن نفسه بعد عناء يوم شاق كان طويلا ومتعبا.
أحمد جاد الله (27 عامًا)، من سكان بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، تخرج من كلية التربية الرياضية، وكحال الكثير من شباب القطاع لم يحالفه النصيب في الحصول على وظيفة يعتاش منها وعائلته المكونة من خمسة أفراد، ليواجهوا جميعًا البطالة.
يقول لصحيفة "فلسطين" وعينه على يده حيث يرتدي قفازته: "التحقت بهذا العمل مجددًا، قبل أسبوعين تقريبًا، فوضع البلد وحالها الاقتصادية الصعبة يفرضان عليك أن تقبل بأي عمل لتلبية احتياجات أهل بيتك، ومصاريف أبنائك، وما يزيد الطين بلة أني أسكن بالإيجار".
ورغم قصر مدة عمل جاد الله في موسم الحصاد الذي انتهى حديثا، فإن بشرته اكتسبت لونًا أغمق درجة من الحقيقي، وبنطاله الأسود أصبح رماديا من الغبار والأتربة، هذا عدا عن تمزقه عند الركبتين بسبب الجلوس عليهما، حيث يفترض أن يرتدي "كسارات"، لحمايتهما من أي ضربة.
كل يوم كان يعود إلى بيته بجرح جديد في يديه بسبب الأشواك التي تخترق القفازة، خاصة أنه لا يراها بل تختبئ بين السنابل الذهبية، ومع ذلك لم يترك عمله "فأنا أعرف أن لقمة العيش صعبة، بل أيضًا مغمسة بالدم، ولذلك لم أُلقِ بالًا لجروحي أو التعب البدني، بل أقاوم لتوفير احتياجات أسرتي".
ويعمل جاد الله على التفريغ عن نفسه، والترفيه عن زملائه في العمل من خلال قيامه بحركات رياضية في أثناء تنقله كالجمباز والقفز والوثب، ويرى أنه بذلك أيضًا يعيد اللياقة البدنية لجسده، ووجوده في تلك المساحات الواسعة يسمح له بممارسة موهبته.
ويمتلك موهبة الجمباز منذ طفولته فكان يوصف بـ"الشقي" وكثير الحركة، وبدأ يمارسها في عام 2010م، فلم يعمل على تنمية موهبته إلا بعدما اختار تخصصا يتلاءم مع ميوله، فكانت فترة الدراسة وما تخللها من محاضرات خير معلم لمزيد من الخبرات والمهارات.
وقبل أن يقرر الالتحاق بهذا التخصص رافق ذات مرة صديقا له في محاضرة رياضية، وأدى أمامهم بعض الحركات، ما دفع المحاضر الجامعي لأن يطلب منه إعطاء محاضرة عوضًا عنه، علّ الطلاب يستفيدون منه، وقد وجد بعدها منهم نتيجة أبهرته.
ويمارس جاد الله رياضة الجمباز والباركور، والكونغ فو "ملاكمة"، التي حصل فيها أخيرا على الحزام الأسود، وحاز بطولة الجنوب في "السندة" وهي أسلوب معين في لعب الكونغ فو ولها قوانين خاصة، وقد التحق في برنامج مواهب العرب بين 2016- 2017م، ووصل فيه إلى منتصف النهائيات.
ويحلم أن يكون له عمل يمارس فيه موهبته ومجال دراسته، وصمت قليلًا ثم وضع يده على رأسه قائلا: "اقتربت من مرحلة الصلع من كثرة التفكير، فأحلم أن يكون لي نادٍ خاص لتدريب جميع الفئات على ممارسة الرياضة، وأتمكن من خلاله من نشر ثقافة أدائها يوميا كأسلوب حياة".