"(إسرائيل) ليست بحاجة للأغوار من الناحية الأمنية". هذا ما قاله أولمرت رئيس الوزراء السابق لموقع "إيلاف" السعودي. ما قاله أولمرت ليس مناكفة سياسية لنتنياهو، بل هو تقرير لحقيقة أمنية وعسكرية. دولة الاحتلال لا تحتاج الأغوار تحت سيادتها لتحمي أمنها حال وقوع حرب أو هجمات من الجبهة الشرقية لفلسطين المحتلة. إنّه في ظل تكنولوجيا الصواريخ، والطائرات المُسيَّرة، وتَقدُّم تقنية الأسلحة الفتاكة، لا حاجة لمواقع جغرافية (هضاب، وجبال، وأنهار) لتحقيق الأمن، فهذه الجغرافيات لم تعد أمرًا حاسمًا في الصراعات العسكرية الحديثة.
أولمرت إذًا يضع الإجابة الحقيقية للضم وفرض السيادة، أمامنا وأمام العالم، وهذه الحقيقة تقول: إنّ دولة الاحتلال لن تسمح بقيام دولة فلسطينية، وأنها تريد ضم هذه الأراضي وفرض السيادة عليها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضي (إسرائيل) بمفهومهم التوراتي والتاريخي. الضمّ إذًا هو بناء أيديولوجي ديني وتاريخي، ولا حاجة للتبريرات الأخرى ذات البعد الأمني، لأنها تبريرات خادعة يمكن نقضها وهدمها.
نعم، ثمة في لقاء إيلاف مع أولمرت تطبيع يضعف الموقف الفلسطيني، ويسيء إليه، تمامًا كوصول طائرة مساعدات إماراتية إلى مطار ابن غوريون دون تنسيق مع الفلسطينيين تحت ذريعة تقديم مساعدات طبية لهم لمواجهة كورونا؟! وكالتصريحات الإماراتية الأخيرة حول الضم، والقائلة لنتنياهو من خلال وسائل الإعلام: إنَّ الضم وفرض السيادة، يعرقل عمليات التطبيع مع دول الخليج؟! وهو تصريح يعلن جاهزية دول الخليج للتطبيع، وأن التطبيع سيحدث، وهو يسير قُدمًا نحو غاياته، سواء أكان هناك ضم أو لم يكن هناك ضمّ، ولكن الضمَّ يعوق الخطوات، أو يبطئها؟!
وكما أن الخليج جاهز للتطبيع، فإن حكومة السودان الجديدة جاهزة للتطبيع أيضًا، سواء أحدث الضم في موعده المعلن إسرائيليًا، أو لم يحدث، وبالأمس وصلت أول طائرة إسرائيلية إلى مطار (أجامينا في تشاد من خلال استخدام المجال الجوي السوداني؟! السودان كالخليج يعلن رفضه للضم، ولكنه يسير قدمًا في إجراءات التطبيع، ولا يجعل التطبيع ثمنًا حقيقيًّا لإيقاف حكومة الاحتلال للضم وفرض السيادة؟! الأمر الذي يجعلنا متشائمين من الموقف العربي، كما متشائمين من موقف السلطة ومنظمة التحرير؟!
دولة الاحتلال يا عرب، وكما يقول أولمرت، ليست في حاجة للضم أمنيًّا، وليست في حاجة للتطبيع على حساب الضم وفرض السيادة لا أمنيًّا ولا اقتصاديًا؟! وبناءً على توجّهات الدولة الأيدولوجية فإن (إسرائيل) في حاجة للضم أولًا، وفي حاجة للتطبيع ثانيًا، وتعلم مسبقًا أنَّ التهديد بوقف التطبيع لا يمنع نتنياهو من مواصلة إجراءات الضم وفرض السيادة، لأنه يعتقد، ويثق، أن التطبيع قادم لا محالة رغم الضم وفرض السيادة. هو يعلم من هم قادة العرب؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار.