فلسطين تعيش الضم عملياً بسبب الاستيطان المتفشي جغرافياً، وبينما ينشغل العالم بالتنديد بالضم، لا يتوقف نتنياهو عن ترخيص بناء مستوطنات جديدة ومصادرة أراضٍ بهدف توسيع المشروع الصهيوني، فمنطقة الأغوار والمستوطنات تعيش قضية في منتهى الخطورة، ولكن الممارسات الإسرائيلية خلاف ذلك لا تتوقف، فقد صادروا أراضي في منطقة سلفيت، وقطع المستوطنون مئات الأشجار وهم يخططون لتوسعة مستوطنة هناك، كما أنهم أعلنوا البدء بشق شارع استيطاني في منطقة بيت لحم لربط مستوطنات غوش عتصيون وغيرها، كما أنهم بدؤوا بالاستيلاء على المياه بكل مصادرها في منطقة الأغوار وقطعها عن التجمعات الفلسطينية لإجبار المواطنين على الهجرة منها، وتمهيداً لاحتمال ضمها لهم، ومخططهم تجاه المنطقة الصناعية في وادي الجوز بالقدس واضح ومعروف، وكذلك في الخليل والحرم الإبراهيمي هناك.
كل الخطابات اليوم سواء على المستوى الفلسطيني، أو العربي، أو الأوروبي والغربي، كلها تستنكر خطط الضم. ما يقلق هو أن يصبح موضوع الضم هو شغلنا الشاغل ونلتهي به عن المشروع الاستيطاني، علينا ألَّا ننسى أن الاستيطان هو الأساس الذي ترتكز عليه فكرة الضم! والاستيطان مستمر أي 'الضم' مفروض عملياً وليس جديداً. هذه سياسة (إسرائيل) التي تلهينا بالتفاصيل وتُصغر سقف طموحنا وتنسينا الصورة الكبيرة، الْيَوْم المطالب والجهود تتمحور حول إقناع نتنياهو بالتراجع عن الضم، لماذا؟
فالحقائق على الأرض تتنافى مع حُلم سيناريو الدولتين، فالاستيطان صادر الأرض، والقوانين الإسرائيلية حرمت الشعب الفلسطيني أي معنى للمواطنة أو السيادة المستقلة، وعليه أتساءل اليوم أننا وإن تركنا نتنياهو ينفذ خطط الضم، ألن يكون بذلك إعلانا رسميا من (إسرائيل) بإنهاء مرحلة طويلة من إدارة هذا الصراع مع الاحتلال تحت مسمى عملية السلام، حيث بات الشعب الفلسطيني في عملية السلام غير المنتهية مع (إسرائيل)، واستمر المجتمع الدولي بالمناداة بمبدأ حل الدولتين دون أن يبادر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
فمواجهة المخاطر التي تمر بها قضية شعبنا في ضوء محاولات وإجراءات الضم المنصوص عليها في صفقة القرن، وهي ضم ٣٠% من أراضي الضفة الغربية المخصصة للاحتلال بموجب خطة ترمب ووفق الجدول الزمني الذي أعلنه نتنياهو في الأول من تموز المقبل، تتطلب وحدة الصف الوطني أولا، ومن ثم وضع خطة عمل أساسها استنهاض جماهير شعبنا لمواجهة مؤامرة التصفية التي تعد من أخطر المؤامرات، خاصة وأن الظروف العربية والإسلامية والإقليمية والدولية مجانبة، لأن الدول العربية في صراعات داخلية والعالم منشغل بوباء كورونا وسبل إيجاد مضاد له لمحاصرته والقضاء عليه، وغيرها من الأمور والقضايا الأخرى.
وعلى أن يتبع خطوة التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال وأمريكا، مواصلة الهجوم الفلسطيني، وعدم الاكتفاء بردات الفعل، بل اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع، تحرج الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجميع دول العالم، وتجعله يتحمل مسؤولياته المنصوص عليها في مواثيق وأعراف وقرارات الأمم المتحدة.
السبيل الوحيد لمواجهة الضم العمل على وحدة الصف الفلسطيني من خلال إنهاء الانقسام المدمر الذي مضى عليه ١٣ عاما، الذي تستغله سلطات الاحتلال أبشع استغلال، لدرجة أنها تزعم أنه لا توجد قيادة تمثل الشعب الفلسطيني بأجمعه، وأن الساحة الفلسطينية ممزقة، بل أنها تعمل على تعميق هذا الانقسام كي تواصل سياستها في الضم والتوسع والأسرلة علينا، لذا علينا التوقف عن تقديم مصلحة الحزب على المصلحة الوطنية، التي نتج عنها انقسام فلسطيني مخزٍ أدى إلى ضرب المشروع الفلسطيني عامة.
وإلى جانب استنهاض جماهير شعبنا لمواصلة النضال والكفاح دفاعا عن قضيتهم التي تمر بأخطر مراحلها، وكما في السابق عندما أفشل هذا الشعب المعطاء المؤامرات التصفوية السابقة، فباستطاعته أيضا الآن إفشال المؤامرة الجديدة - القديمة - فإن خطة العمل يجب أن تكون هجومية بالمقاومة وتضع النقاط على الحروف وعدم الانتظار لحين تنفيذ قرار الضم في تموز القادم، بل على هذه الخطة المجمع عليها فلسطينيا أن تكون مضادة لصفقة القرن التصفوية.