سادت حالة من الغضب الشديد في صفوف آلاف الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، حينما تفاجؤوا باقتطاعات في رواتبهم بعد استلامها من البنوك المحلية أمس عن شهر آذار/ مارس، حيث وصلت نسبة الخصومات إلى نحو 30%.
وأكد موظفون أن الخصومات شملت المدنيين والعسكريين منهم، من دون أن ينطبق الأمر ذاته على أقرانهم في الضفة الغربية المحتلة. وفي بيان صدر عنها مساء أمس، بررت حكومة الحمد الله لجوءها إلى الخصومات لأسباب قالت إنها تتعلق بالحصار المالي الذي وصفته بالخانق، والمفروض على "دولة فلسطين".
وأوضح يوسف المحمود، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، أن الخصومات على رواتب موظفي السلطة في غزة طالت "العلاوات فقط وجزءا من علاوة طبيعة العمل دون المساس بالراتب الأساسي".
وأضاف المحمود في البيان ذاته، أن هذا الإجراء مؤقت ولن يطال تحويلات الشؤون الاجتماعية والمعونات الإنسانية".
الموظف أبو أحمد، والد لأربعة أطفال اثنان منهما في المراحل الابتدائية، يقول إن نسبة الخصومات طالت 1200 شيكل من راتبه، واصفا ذلك بأنه "قهر وظلم". وأكد أبو أحمد، الذي شدد على ضرورة الاكتفاء بذكر كنيته فقط، أن لديه التزامًا بدفع 400 دولار أمريكي ثمن قسط شهري لشقته التي اشتراها قبل أعوام ويقطنها مع عائلته.
بينما وصف "أبو خالد" حجم الاقتطاعات من الرواتب بأنها "صادمة"، متسائلًا باستغراب، عن كيفية تدبير احتياجات عائلته التي تنتظر على أحر من الجمر توفيرها "بعد شهر طويل من انتظار الراتب"، كما يقول.
حماس ترفض
بدورها، رفضت حركة المقاومة الإسلامية حماس ما جاء في بيان حكومة الحمد الله من اتهامات موجهة لها بتعميق الأزمة المالية التي تعاني منها على خلفية تفعيل اللجنة الإدارية في غزة مؤخرًا.
وقال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم في تصريح لصحيفة فلسطين تعقيبًا على بيان الحكومة: "إن حكومة الحمد الله تحاول البحث عن شماعة لتعلق عليها فشلها في المجالات المالية والاقتصادية من خلال إلقاء التهم جزافًا هناك وهناك".
وأكد قاسم أن اللجنة الإدارية التي أقرها المجلس التشريعي في غزة "هي لسد الفراغ الذي تركته الحكومة عندما لم تقم بواجباتها، وهي ليست بديلًا عن حكومة الوفاق إطلاقًا".
وشدد على أن تلك الحكومة "مدعوة للقيام بواجباتها في غزة"، داعيًا إياها إلى السعي "لحل مشاكل قطاع غزة ومحاربة الفساد الموجود فيها وصرفها مبالغ طائلة على الجهات التي تمارس التنسيق الأمني"، كما قال.
"تقاعد مبكر"
في هذه الأثناء، اعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور معين رجب، لجوء حكومة الحمد الله إلى الخصم من الرواتب إجراء مستحدثا يطال الموظفين الذين لا تسمح رواتبهم أصلًا بتلبية الاحتياجات الضرورية الشهرية لهم ولعائلاتهم.
ونبه رجب في تصريح لصحيفة فلسطين، إلى أنه "كان من باب أولى أن يطبق القرار على جميع الموظفين في الضفة الغربية وقطاع غزة كما حدث قبل عامين حينما امتنعت سلطات الاحتلال عن تحويل أموال المقاصة الفلسطينية ولجأت السلطة إلى تقليصات في رواتب كافة موظفيها دون استثناء، وهو ما يمكن تفهمه".
واستدرك رجب وهو أستاذ علم الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، بأن الخصم من رواتب موظفي غزة دون الضفة "غير مبرر فهم ليسوا سبب المشكلة ولن يؤدي الخصم إلى الحل".
ولم يستبعد رجب أن يكون لخصومات أمس "علاقة بالاتحاد الأوروبي الذي كان قد أوضح مؤخرًا أنه سيمتنع عن تقديم الدعم أو التمويل لموظفي قطاع غزة وإنما تحويله إلى وجهات أخرى غير الرواتب داخل قطاع غزة".
ونبه إلى أن هذا الاقتطاع قد يكون مؤشرًا على البدء في إحالة الموظفين إلى التقاعد المبكر، مضيفًا أن هناك مستجدات في هذا الأمر "توحي بأن الأمر له صلة بفرض عقوبات إضافية على قطاع غزة بدءًا من الموظفين الذين تصرف رواتبهم من رام الله".
وأكد أن قرار الاقتطاع جزء من التسرع في اتخاذ القرار وكان الأولى أن يتم إشعار الموظف به قبل فترة كافية وبالتالي فإن الخصومات "تزيد من معاناة الموظف وتشعره بمزيد من الأسى".
وتوقع أن تؤثر الخصومات على النشاط الاقتصادي في قطاعات أخرى في المجتمع الفلسطيني بغزة، وخصوصا من لها علاقات مالية بالموظفين.
ورغم تأكيده أن الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة "كبيرة و"خانقة"، فقد أرجع أسبابها إلى "زيادة النفقات بدون ضوابط كافية مع عدم قدرة الإيرادات على تغطية النفقات العامة".