هل يمكن القول إن فيروس كورونا "نطحنا وبطحنا وذبحنا"، ولم نعد قادرين على إغلاق الباب في وجهه، ففتحنا الباب وأدخلناه بيوتنا ليعيش معنا رغمًا عنا، يأكل معنا ويشرب معنا، ويصبح بطل أحاديثنا حتى مطلع الفجر؟ وهل في الأفق ما يشير إلى قرب رحيل الضيف الثقيل حتى تخفف بعض الدول من القيود المفروضة؟ سأجيبكم.
لو رجعنا لبداية تأسيس دولة الاحتلال ومواقف العرب منها نجدهم رفضوا السماح لها بالعيش، وتدريجًا صار الرفض "غير منطقي"، وطفت على السطح فكرة "من المواجهة إلى المعايشة" باعتبار أن (إسرائيل) صارت أمرًا واقعيًّا لا فكاك منه.
ما حدث في طبيعة العلاقة بين العرب و(إسرائيل) يحدث الآن في طبيعة العلاقة بين العالم و"كورونا"، فقد ظن كبار القوم أنها "سحابة صيف عابرة"، والقضاء عليها "مسألة وقت"، و"ستعود المضيفة لابتسامتها الظريفة".
وبعد مرور أشهر اتضح أن كورونا باقية وتتمدد، فأيقن العالم أن القضاء عليها يحتاجُ إلى وقت طويل، لذا ظهرت فكرة التعايش، وفق قاعد "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".
فلماذا يا ترى انتقل العرب من المواجهة للمعايشة مع (إسرائيل)؟ وانتقل العالم من مواجهة كورونا للتعايش معها؟ إنه الاقتصاد يا بني آدم.
الاقتصاد هو المحرك الرئيس لعجلة الحياة بدءًا من حياة الرئيس إلى المواطن التعيس، فالدولة القوية اقتصادًا تقول كلمتها وتفرد عضلاتها وتفرض رأيها، ففي حالة العرب و(إسرائيل) خسر العرب مبالغ هائلة دون نتائج تذكر، فتذكروا: "رحم الله حكامًا عرفوا قدر أنفسهم"، وهذا ما يحدث مع كورونا.
فقد خسر العالم مبالغ خيالية، حتى إن شركات كثيرة أفلست وسرحت موظفيها، فزادت أعداد العاطلين عن العمل، لذا لجأت الدول إلى تخفيف خسائرها بالعودة التدريجية للحياة مع تأكيد الإجراءات الصحية، وكأنها تقول للمواطن عليك الاختيار "إن أردت العيش، فعش ملتزمًا بالإجراءات، أو مُت كالأشجار وحيدًا"، و"دير بالك على حالك"، فحينما تُصاب بكورونا "فأنت الخسران".
وقد ظهرت أوجه هذا التعايش في المؤسسات الحكومية والخاصة، ففي المطارات برزت فكرة إجراء المسح بالكاميرات الحرارية وفحوصات للمسافرين، وقد يلجأ إلى جوازي سفر (العادي والمناعي)، ويفرض ارتداء الكمامات على المسافرين والتباعد الاجتماعي بين الركاب.
وفي المساجد يتباعد المصلون مسافة متر في كل الاتجاهات، ويرتدون الكمامات، ويصطحبون سجادة الصلاة من منازلهم، ويغادرون المسجد بسرعة، وأداء صلاة النافلة في البيت، وعدم حضور كبار السن والأطفال والمرضى، وعدم إخراج المصاحف من المسجد، مع تعقيم المسجد.
وفي المدارس والجامعات تُطبق فكرة التباعد بين الطلبة مع ارتداء الكمامات، أما صالات الأفراح فيُمنع فيها العناق والسلام واصطحاب الأطفال، وفي الأسواق كما رأينا في الهند يقف الناس في طابور يفصل بين الواحد والآخر مسافة مترين يرتدون كمامة، وحينما يأتي دورهم للشراء يقف المشتري بعيدًا عن البائع مسافة متر، فيسلمه الثمن، ويتسلم منه المشتريات، أما المقاهي والمطاعم فارتدى العاملون فيها الكمامات وزادت المسافة بين الطاولة والأخرى.
أختم بأن كل ما سبق، وغيره من وسائل فرضتها كورونا؛ يؤكد أنه إن أردنا البقاء فقدر الإمكان علينا أن نقول: "سمعنا وأطعنا يا كورونا".