تسود مخاوف كبيرة في قطاع غزة من أزمات اقتصادية من المتوقع أن تضرب بقوة هذه المرة، مع استمرار الحصار الإسرائيلي، وانعكاسات فيروس كورونا، إضافة إلى عدم صروف السلطة رواتب موظفيها في غزة، البالغ تعدادهم قرابة 70 ألفًا، كما يرى اختصاصيان في شؤون الاقتصاد.
وأكد الاقتصاديان، في أثناء حديثهما مع صحيفة "فلسطين"، أن ذلك سيزيد من نسب البطالة والفقر في القطاع الساحلي البالغ تعداد سكانه أزيَّد من مليوني نسمة.
وللسنة الـ14 على التوالي يستمر حصار الاحتلال الإسرائيلي لغزة، وترك آثارًا خطيرة على الأوضاع الاقتصادية، وتزامن معه سلسلة إجراءات عقابية فرضتها السلطة الفلسطينية وتدهورت في إثرها الظروف الإنسانية لدى غالبية المواطنين.
وقال مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة ماهر الطباع: "إن الالتزامات المالية على المواطنين -ومنهم الموظفون- كبيرة جدًّا، خاصة بعد رمضان وعيد الفطر وجائحة "كورونا"، وأي خلل في رواتب موظفي السلطة سيخلف ارتدادات خطيرة على جميع الأنشطة الاقتصادية بغزة".
وأضاف الطباع: "لن يكون هناك سيولة نقدية في أيدي المواطنين، خاصة أن الرواتب تضخ هذه السيولة في السوق"، مشيرًا إلى أن تراجع النمو الاقتصادي أدى إلى زيادة غير طبيعية في نسبة إرجاع الشيكات بالضفة وغزة، نتيجة عدم قدرة الناس على تسديد الالتزامات.
وأكد أن الوضع الاقتصادي والمعيشي والإنساني يعاني أصلًا أزمات عدة، ووصل الاقتصاد إلى مرحلة موت سريري، نتيجة الحصار وشن ثلاث حروب على القطاع، إضافة إلى إجراءات وقيود اقتصادية يفرضها الاحتلال على حركة الصادرات والواردات، وحركة التنقل من القطاع وإليه.
ونبَّه الطباع إلى أن معدلات البطالة قبل "كورونا" كانت تتجاوز 50 من المئة في وقت يعتمد 80% من السكان على المساعدات من مؤسسات ومنظمات مانحة مثل وكالة الغوث الأممية "أونروا"، أما البطالة بين الخريجين فهي تتجاوز 65 من المئة، في حين أن نسبة الفقر وصلت إلى 53 من المئة؛ ووصف هذه المؤشرات بـ"الكارثية".
وأشار إلى أن جائحة "كورونا" تركت آثارًا خطيرة على جميع الأنشطة الاقتصادية؛ وفي مقدمتها قطاع النقل والمواصلات والجامعات والسياحة، إذ أصابها الشلل التام في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة لضمان عدم تفشي الفيروس.
وأوجدت الجائحة في غزة -والقول للطباع- أكثر من 45 ألف عاطل جديد عن العمل، بسبب توقف عمل الكثير من المشاريع أو خفض الطاقة الإنتاجية لها.
بدوره أكد الباحث المختص في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل أن السيولة النقدية تراجعت كثيرًا بسبب الحصار وتعطل آلاف العمال عن عملهم، وارتفعت نسبتا البطالة والفقر، وسبب ذلك عدم توافر قدرة شرائية لدى المواطن.
وأشار إلى أن تأثر مؤسسات مانحة مثل "أونروا" بعد أن طالتها عقوبات شملت وقف التمويل الأمريكي المخصص لها، بقيمة تزيد على 300 مليون دولار أمريكي، كانت تضخ في السوق الفلسطيني، ألحق أضرارًا كبيرة باقتصاد غزة.
وأوضح أن عقوبات السلطة على غزة أوجدت تراجعًا في قيمة رواتب موظفيها بالقطاع من 52 مليون دولار شهريًّا، فبلغ إجمالي الرواتب للموظفين الرسميين والمتقاعدين نحو 35 مليونًا، وهي تحرك النشاط الاقتصادي في غزة، إضافة إلى قرابة 17 مليون دولار رواتب موظفي حكومة غزة، إضافة إلى المؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، إذ لا تتعدى السيولة النقدية في القطاع 60 مليون دولار شهريًّا.
ونبَّه إلى أن توقف صرف رواتب موظفي السلطة بغزة أو تأخرها، سيؤدي إلى انهيار كبير في النشاط الاقتصادي، كما أن حركة الأسواق شبه متوقفة بسبب عدم صرف الرواتب.
وذكر أن دورة النشاط الاقتصادي تبدأ من عند المستهلك وتنتهي عند المُنتِج، وفي حل توقف المستهلك عن الشراء حركة الإنتاج ستتوقف، مبينًا أيضًا أن تغير نسبة الصرف وخفضها سيطالان سلبًا قطاعات الزراعة والتجارة والبناء، وغيرها.
وتوقع أن تشهد غزة أزمة اقتصادية جديدة أكبر بكثير من التي مرَّت بها عندما فرضت رئاسة السلطة سلسلة إجراءات عقابية عليها شملت صرف نسبة 50 من المئة وأقل، من رواتب موظفيها بغزة.
وفسر ذلك: "وقت فرضت العقوبات على غزة في نيسان (أبريل) 2017م، كان السوق الغزي يضخ فيه رواتب من عدة أطراف، أولها القطاع الخاص الذي هو أفضل من اليوم، تزامنًا مع تنفيذ مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات دولية مشاريع إغاثية في غزة، لكن اليوم مجرد تأخير صرف الرواتب يضاعف الأزمات الاقتصادية الآنية".