وتبقى كلماتنا عرائس من شمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.
سيد قطب
كلما ترجل فارس ترك خلفه سيرة من أعمال وكلمات تخلدها ذاكرة الشعوب، وتبقى نوراً تهتدي به أجيال وأجيال.. تغيب الشخصية.. وتبقى السيرة ولا يضل القادمون من بعيد الطريق لأنها مضاءة دائما بسير القادة العظماء.
ترجل الفارس العظيم د. رمضان شلح وارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها وبقيت منه سيرته العطرة قنديلاً يضاف إلى قناديل مزهرة مرصوصة على طريق الثوار كعقد نظم من النور اللامتناهي الخالد.
فالقادة عظماء في حياتهم وفي موتهم.. ففي حياتهم هم النار التي تحرق العدو وتزلزل كيانه وتشل أركانه وفي موتهم هم النور السرمدي الذي تقتفي الأجيال شعاعه الذي يشير دائماً إلى الوطن.
فالقادة لا يغيبون رغم موتهم، فموتهم حياة لمن يحمل الراية من بعدهم وكلماتهم تدب فيها الحياة إذا ما غيب الموت أجسادهم.
أتذكر الكلمات الأولى للقائد الراحل حينما تولى قيادة حركة الجهاد عقب اغتيال الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي عندما قال: "إن رأس الشقاقي لا يمكن أن يكافئه إلا رأس القدس"، قاصدا أن عهدنا مع الشقاقي هو تحرير القدس من دنس الاحتلال، ونشهد أن الرجل قد وفَّى بعهده وبَرَّ بقسمه وظل على عهده حتى لقي ربه لم يبدل ولم يغير فقد عاش حياته من أجل القدس ومضى على طريق القادة العظام الذين سبقوه، فما أجمل الحياة من أجل الغاية السامية وما أجمل الموت ثابتاً على المبدأ، رحم الله الفقيد فقد عاش حراً عزيزا أبيا ومات واقفاً كأشجار الزيتون في فلسطين ، وسيبقى خالداً في تاريخ فلسطين كأحد أبنائها البررة الذين عاشوا وماتوا من أجلها.
مضى الدكتور رمضان في زمن عربي مسخ اعتلت فيه سدة المشهد السياسي قيادات مجرمة سوقت الاحتلال.. وأوهمت عوام الناس بسلام رخيص ذليل.. واستمرأت ود القاتل.. وحرمت على ذوي المقتول رد العدوان.. وجعلت من شرف المقاومة إرهابا.. ومن نبل التمسك بالثوابت خرافة..
مضى الدكتور رمضان في زمن وُئدت فيه ثورات الشعوب وسُجنت أحلامها وبيعت آمالها وطموحاتها في سوق النخاسين.. مضى الدكتور رمضان وهو يتحرق شوقا ليلامس جسده تراب الوطن الذي عشقه، ولكن حيل بينه وبين هذه الأمنية.. مضى الدكتور رمضان وهو يشهد أن الوحدانية لله.. وأن الوطن مقدس كله.. وأن ترابه حرام على الدخلاء.. وأن فلسطين للفلسطينيين من بحرها لنهرها. مضى ليلحق بركب الشهداء العظام أحمد ياسين والشقاقي والرنتيسي والمقادمة وعياش وطوالبة.. مضى وكأنه يلوح لنا بكفه باسما ولسان حاله يقول: ها قد وفيت ديني وأترك لكم عهدتي وعهدة الشهداء من قبلي.. فلسطين أمانة في أعناقكم وهي وصيتي لكم.
وفلسطين كلها تقول: إن عهدك وعهد الشهداء باقٍ فينا ما حيينا ووصيتك جزء من عقيدتنا، فنم قرير العين، فخلفك رجال يحفظون العهد ويصونون الوصية ويوفون بالقسم.