فلسطين أون لاين

ثمانية احتمالات لكارثة الضم

لقد حث وزير حرب الاحتلال بيني غانتس، الاثنين، جيشه على الإسراع في الاستعدادات لضم أجزاء من الضفة الغربية، في توقع واضح لما يمكن أن يكون احتجاجات فلسطينية شرسة ضد هذه الخطوة. تصريحات غانتس تأتي في وقت أفادت فيه وسائل إعلام إسرائيلية بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ناقش الضم في مكالمة مع جاريد كوشنر، مستشار الرئيس دونالد ترامب، وكان نتنياهو قد أعلن اعتزامه ضم أجزاء من الضفة، بما في ذلك غور الأردن الإستراتيجي وعشرات المستوطنات، بما يتماشى مع خطة ترامب للتسوية، وأشار إلى أنه سيمضي قدما في الضم الشهر المقبل. وتنص خطة ترامب على ترك نحو ثلث مساحة الضفة، التي احتلتها (إسرائيل) عام 1967، تحت سيطرة إسرائيلية دائمة، في حين تمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا موسعا في بقية المنطقة.

إذًا ما التداعيات المستقبلية لهذه الخطوة الخطيرة التي لم يَحسب لها حسابًا غانتس ونتنياهو ومعهما الإدارة الأمريكية؟! من المؤكد أن حساباتهم جاءت كالعادة باستغلال الوقت ما دام العالم منشغلا بوباء كورونا، أو أن أمر الضم سيمر مرور الكرام قياسا بما أقدم عليه ترامب هو الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال.. إلخ. لكن الأمر ليس كذلك، فما لم يأخذ به غانتس بالحسبان يجب أن يفكر به ألف مرة قبل الإيعاز لجيشه بالاستعجال، أعتقد أن هناك ثمانية احتمالات يتوقع حدوثها ويجب على غانتس الأخذ بها بالحسبان في حال أصر قادة الاحتلال على كارثة الضم وهي: 

أولا: بالنظر إلى المخاطر، ما هو الوزن الذي ستعطيه الحكومة الإسرائيلية لاحتمال انهيار السلطة الفلسطينية بعد عملية الضم؟ أو اختيار إعادة المفاتيح إلى للاحتلال (إعادة إدارة السلطة والحكم الذاتي إلى الاحتلال)؟ حينها سيتعين على الاحتلال تحمل المسؤولية عن جميع السكان الفلسطينيين، من جميع جوانبها، دون مساعدة من المجتمع الدولي.

ثانيا: ما هو الاهتمام الذي يمكن لحكومة الاحتلال أن توليه للتعامل المباشر مع تفشي الوباء؟ مع زيادة كبيرة في معدلات المصابين والوفيات، في المقابل تتطلب في الوقت نفسه معالجة الأزمة الاقتصادية وضرورة الاهتمام للرفاهية الأساسية للسكان الفلسطينيين في مناطق الضفة التي سيتم ضمها (بحسب الخريطة الهيكلية المصغرة حوالي 20,000)، وفي الوقت ذاته فإن إدارة حملة عسكرية تتطلب تجنيد كامل قوات الاحتياط وهذا بحاجة الى ميزانية اضافية.

ثالثا: في ظل ذلك، قد يؤدي تسلسل العواقب السلبية غير المقصودة جراء الضم إلى استياء واسع لدى الجمهور ورفضه دفع الثمن الأمني والاقتصادي. ومن الممكن بعد ذلك أن تولد حركة احتجاج اجتماعي وسيخرج الناس إلى الشوارع، كما أن محاولات نظام الأمن لمحاربة وباء كورونا سوف يوجه لمعالجة التهديدات الأخرى مثل: “الساحة الفلسطينية، والساحة الشمالية، والتسلل وتهريب الأسلحة، والوضع المماثل على الجبهة الجنوبية، ومواجهة قطاع غزة ومصر”، وذلك دون تعاون مع الأردن في تأمين أطول حدود دولة الاحتلال.

رابعا: يجب الأخذ بالحسبان احتمال انفجار كبير قد يحدث في المناطق الفلسطينية المحتلة يصعب إيقافه في ظل ارتفاع معدلات البطالة والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الأزمة التي أحدثتها جائحة فيروس كورونا المستجد، والمشاكل الفلسطينية الداخلية، وبناء عليه فقد حذرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعلى رأسهم منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق الفلسطينية، كميل أبو ركن، أنهم بحاجة إلى مزيد من الاستعدادات لمواجهة "تدهور أمني محتمل"، في الضفة وقطاع غزة، وأن المهلة التي حددها نتنياهو قصيرة جدا. منبها بذلك للمواجهات التي اندلعت في القدس المحتلة عندما حاول الاحتلال تثبيت كاميرات عند بوابات الحرم القدسي في صيف عام 2017، والمواجهات التي أعقبت الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة الاحتلال.

خامسا: بالنظر إلى السلطة الفلسطينية، يتضح أن الرغبة من منع دخول الفيروس إلى أراضيها دفعها لسلسلة من الإجراءات الفعالة، بما في ذلك تقليل الحد الأدنى لعدد العاملين الفلسطينيين لدى أماكن العمل الإسرائيلية، ولهذا القرار أهمية اقتصادية مباشرة على دولة الاحتلال، وليس فقط على الساحة الفلسطينية. قبل أزمة كورونا، كان هناك 140 ألف عامل فلسطيني يعملون في الداخل المحتل، خاصة في قطاعات البناء والصناعة والزراعة، وإيقاف دخول العمال كرد فعل للسلطة الفلسطينية على تطبيق السلطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، أو بسبب التصعيد الأمني في أراضي السلطة الفلسطينية، سيجبر سلطات الاحتلال على إغلاق أراضيها، وهذا سيعني المزيد من الضرر للاقتصاد الإسرائيلي وقدرته على التغلب على أزمة كورونا.

سادسا: أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فهو منشغل بالتعامل مع وباء كورونا، لكن يجب ألا ننسى أن هذا هو المجتمع نفسه الذي يعارض بشدة ضم دولة الاحتلال للضفة سواء كلها أو جزء منها، ومن المتوقع أن تلتزم بهذه المقاومة حتى في اليوم التالي لكورونا. ومن المرجح أن تكون الاستجابة لهذه الخطوة بطيئة، بالنظر إلى الظروف، ومع ذلك سيأتي النقد والاعتراض، ففي ديسمبر 2019، ذكر نتنياهو فكرة الضم على الرغم من عدم وجود نية فورية أو القدرة على القيام بذلك، حينها تم الرد على البيان ببيان إدانة من المحكمة الجنائية الدولية لاهاي، وبناء على ذلك فقد حذر النائب العام أفيخاي مندلبليت نتنياهو من أن خطوة الضم قد تؤدي إلى تحقيق جنائي دولي ضد جنود جيشه وضباطه، ومسؤولي الخدمة المدنية، وحتى سلطات الضفة بشأن الأنشطة الإسرائيلية هناك.

سابعا: أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي أدان الضم بشدة، فقد حذر سابقا أنه يجب وضع علامة على المنتجات الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات، حتى المخاطرة بخطوات جزئية من دول الاتحاد الأوروبي ضد تسويق المنتجات من المستوطنات، التي سيتم اتخاذها نتيجة لضمها إلى حد ما، هي مخاطر غير ضرورية لأن الخطوات الرمزية من الممكن أن تتوسع وتتفاقم. فيجب الأخذ بالاعتبار النفوذ الاقتصادي للاتحاد الأوروبي على (إسرائيل)، إذ بلغ التصدير الإسرائيلي إلى دول الاتحاد الأوروبي من السلع 9.1 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2019، أي حوالي 38% من جميع الصادرات الإسرائيلي.

ثامنا: أما الادارة الامريكية الحالية المتصهينة فمن المحتمل ان تتغير، ومن المحتمل أن يجلس في البيت الأبيض جو بايدن في يناير 2021، ومن المحتمل ايضا أن يكون هناك تغيير في سياسة الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وكان بايدن أكد أنه “يجب أن نضغط باستمرار على الإسرائيليين للتحرك نحو حل الدولتين”. يبدو أن تطبيق السلطة الإسرائيلية على مناطق في الضفة، وتحت رعاية إدارة ترامب، يسبب توترات بين (إسرائيل) والديمقراطيين ستعمل على تحديث التوجهات السياسية الأمريكية بشأن هذه القضية.