يدرك رئيس حكومة العدو نتنياهو التعقيدات الراهنة والرفض الدولي للخطوة، إلا أنه ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة تماماً.
أنهت "دولة" العدو الصهيوني حالة الفراغ السياسي بتشكيل حكومة نتنياهو - غانتس، التي تضم في تشكيلتها أحزاب اليمين الصهيونية، باستثناء عضوين من تحالف "يمينا"، إلى جانب حزب "أزرق أبيض"، الذي فكَّك تحالفه الانتخابي من أجل المشاركة في حكومة التناوب مع "الليكود" وحلفائه، إضافة إلى حزب العمل اليساري الّذي شهد أكبر تراجع في تاريخه، دفعه إلى المشاركة في حكومة تحمل برامج يمينيّة.
أمام حكومة العدو العديد من التحديات الداخلية والخارجية، وعلى رأس مشاريعها تطبيق القانون الصهيوني على أجزاء من الضفة الغربية، ما يعرف بخطوات الضم لمناطق من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وهي مناطق يسيطر عليها جيش العدو الصهيوني ميدانياً، ومصنّفة بحسب الاتفاقيات بالمناطق "ج" أو "c"، في خطوة تحظى بدعم كل الأحزاب اليمينية، وهي بند رئيس في اتفاق الحكومة بين نتنياهو وغانتس.
الخطوة الصهيونية تلقى دعماً أميركياً، إذ إن الإدارة الحالية منحت نتنياهو العديد من الهدايا الانتخابية، منها إعلان القدس عاصمة لـ"دولة (إسرائيل)"، وإقرار السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وشرعنة الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية. وقد أبدت جهوزيتها للاعتراف بالخطوة الإسرائيلية.
في المقابل، ثمة رفض عربي إعلامي، إلى جانب الاعتراض الأوروبي وخطوات السلطة الفلسطينية، لكن يبقى السؤال: هل سيمضي نتنياهو إلى خطوة الضم في بداية تموز/يوليو؟
أمام نتنياهو خيارات ميدانية عدة تجاه خطوات الضم، فقد يقدم على ضم المخطط الهيكلي للمستوطنات في الضفة الغربية، والبالغ مساحته ما يقارب 10%. الخيار الثاني هو ضم غور الأردن الذي يشكل ما نسبته 17% من مساحة الضفة الغربية.
أما الخيار الثالث، فهو ضم جميع المناطق التي نصّت عليها "صفقة القرن"، والتي تشكّل ما مساحته 30% من الضفة الغربية، وهو الخيار المرجّح. والخيار الرابع هو ضم مناطق تسمى بمنطقة "ج" أو "C"، وتمثل ما نسبته 60% من الضفة الغربية، وهي مناطق خاضعة للسيادة الإسرائيلية بالكامل.
ولكن ثمة عوامل غير مشجعة لخطوات الضم في المرحلة الراهنة بالنسبة إلى العديد من جهات تقدير الموقف الرسمية الإسرائيلية، وهي ترى أنّ الخطوة غير ضرورية في الوقت الراهن، فالجيش الإسرائيلي والمستويات الأمنيّة ترفض الخطوة، نتيجة عدم جهوزية الجيش للتداعيات الأمنية لتغيّر الوضع الأمني، كنتيجة متوقعة لهذا القرار، في ظل استمرار أزمة كورونا، كما أنها مرفوضة على المستوى الدولي. وقد وصلت نائب رئيس الحكومة ووزير الجيش غانتس العديد من الرسائل من قبل مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، مفادها أن خطوات الضم قد ينتج منها تراجع في العلاقات مع (إسرائيل).
يدرك رئيس حكومة العدو نتنياهو التعقيدات الراهنة والرفض الدولي للخطوة، إلا أنه ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة تماماً، فهو يسعى إلى تحقيق إنجاز تاريخي لليمين الإسرائيلي، ما يعزز صورته لدى جمهور اليمين بأنه الرجل الأقوى، مع استمرار محاكمته بتهم الفساد.
كما يرى أن الظروف الدولية مناسبة للإقدام على مثل هذه الخطوة، في ظل انشغال العالم بجائحة كورونا وتداعياتها، غير أن العامل الأهم بالنسبة إلى نتنياهو هو وجود الرئيس الأميركي ترامب في سدة الحكم، والمتبقي لفترة ولايته أشهر معدودة، فنتنياهو لديه يقين بأن عدم إعادة انتخاب ترامب مرة أخرى سيعطل المشروع.
يبقى المحدّد الرئيس في خطوات نتنياهو هو الموقف الأميركي الذي أيّد الخطوة من حيث المبدأ، ولكنه لم يمنح نتنياهو الموقف النهائي حتى اللحظة، فالتجربة تقول إن الإدارة الحالية للولايات المتحدة منحته كلّ ما يريد، ودعمته بصورة فجة في الانتخابات.
لذلك، في تقديري، سيقدم نتنياهو على خطوة الضم، فالظروف مناسبة بالنسبة إليه، إلا أنه قد يلجأ - وهذا احتمال ضئيل - إلى دعوة السلطة وعباس للمفاوضات المباشرة التي يرفضها عباس وفريقه، فيعمل على تسويق خطواته بعدم وجود شريك للسلام.
ثمة حقيقة يجب أن يدركها كل متابع للقضية الفلسطينية بأن خطوة الضم لن تغير من الواقع الميداني، فالعدو بجيشه يسيطر على كل المناطق في الضفة الغربية، وأن الخطوة غير مؤثرة في معادلة الصراع عند من يؤمن بأن حدود فلسطين من بحرها إلى نهرها، وأن (إسرائيل) إلى زوال.