تشير كل الدلائل التي توفرت حول ما حدث في اجتماع قراءة بيان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مساء الثلاثاء الماضي، للرد على مخططات الضم الإسرائيلية، والذهاب نحو صيغة "أن منظمة التحرير الفلسطينية، ودولة فلسطين قد أصبحتا في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليهما، بما فيها الأمنية"، إلى أن الإعلان الفلسطيني لا يزال بعيدًا عن أن يكون نقطة تحول حقيقية في موقف القيادة الرسمية للسلطة الفلسطينية، وفي رؤيتها لدور "السلطة" ودور "المنظمة" في تشكيلتها الحالية، بل لا يعدو كونه مناورة، وإن بدت شديدة اللهجة، تهدف أساسًا إلى تسجيل الموقف نفسه المعلن سابقًا، والتلويح به وبالوحدة الوطنية دون أي اتجاه حقيقي لفحص خيارات جديدة، أو أدوات جديدة.
ويثبت ما حدث من "مشادات" خلال الجلسة وقبل قراءة البيان، ومحاولات كتم أصوات ثلاثة على الأقل من أعضاء (القيادة)، هم عباس زكي وناصر القدوة من حركة فتح، وعمر شحادة من الجبهة الشعبية، والذي تعرض لمضايقات تصل حد التهديد، أنه لم تكن لدى القيادة أي نية جادة وحقيقية للتداول مع من يفترض أن يمثلوا أعلى هيئة تنظيمية في منظمة التحرير، من مختلف الفصائل، وفحص الخيارات المختلفة، وإنما كان الهدف تنظيم جلسة شكلية لفرض قرار لم يتم التوافق عليه، ولا البحث في إمكانات وسبل تنفيذه.
ولعل ما زاد الطين بلة، وأكد أن الاجتماع والبيان لا يتعديان كونهما خطوة للمناورة للظهور بمظهر من يقوم بشيء لمجرد تسجيل رد الفعل، هو ما تم إعلانه غداة الاجتماع عن أن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية أوعز ببدء الإجراءات التنفيذية لتطبيق إعلان عباس، دون أي توضيح للإجراءات المقصودة، ولا الآليات التي سيتم اللجوء إليها، أو حتى مخاطبة الشعب الفلسطيني بخطاب تعبئة يمهد لما هو آتٍ، في حال تم فعلًا تنفيذ بيان وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكأن القضية هي قضية تنسيق أمني وليست قضية تحرر وإنهاء الاحتلال.
وأخيرًا فإن أبرز ما يشير إلى أننا أمام مناورة وليس نقطة تحول، هو تغييب مطلق لمسألة الوحدة الفلسطينية، ومحاولة -على الأقل- لإطلاق مبادرة جديدة، أو استئناف خطوات سابقة نحو المصالحة وإنهاء الانقسام، واستُبدِل بذلك التأكيدُ على التزام السلطة محاربةَ الإرهاب، وهو المصطلح الذي يعني إسرائيليًّا وأمريكيًّا محاربة مقاومة الاحتلال.