لم يمنع الحجر الصّحي أو غياب المنافسات، المصارع التّونسي عبد الرّحمن الدّريدي، من تحقيق الانتصارات، لكن هذه المرة انتصارات من نوع خاص وذات طابع فريد.
بطل المصارعة الدريدي (29 عاما)، استطاع أن يهزم جائحة كورونا، عبر تحويل سطح منزله إلى حلبة مصارعة بإمكانيات بسيطة، ليواصل التدريب والتأقلم مع الوضع الجديد حتى يحافظ على جاهزيته البدنية واستعداده للعودة للمنافسات.
بدأ الدّريدي مسيرته مصارعًا أسوة بعمه عامر الدريدي الذي كان بطلًا لتونس وإفريقيا لسنوات طويلة.
بعدها انتقل لأشكال أخرى من الرياضات بينها الملاكمة الإنجليزية فالفرنسية ثم "الكونغ فو- ساندا" وغيرها وصولًا إلى ما يتعارف عليه حاليًا بـ"MMA" وهي اختصار لرياضة "الفنون القتالية المختلطة".
وعن تحديثه في زمن الجائحة، يقول الدريدي: "أتدرب بشكل يومي منذ كنت في التاسعة من عمري .. الحجر الصحي أو غياب قاعة التدريب لا يمكن أن يكون عائقًا حقيقيًا أمام رياضي في مستوى محترف".
ويتابع: "يمكن أن تحول إطار سيارة أو حبالا قديمة أو عبوات مياه أو غيرها إلى أدوات للتدريب، فالأمر يتعلق فقط بمدى حرص الرياضي وجديته بأن يبقى في مستوى جاهزية واستعداد بدني مرتفع".
ويزيد: "أتدرب في شهر رمضان في توقيتين يوميًا، الأول قبل الإفطار ويستمر 45 دقيقة والثاني قبل الإمساك ومدته لا تتجاوز ساعة، أتدرب بشكل منتظم ستّةَ أيامٍ في الأسبوع إضافة إلى حصة خفيفة يوم الراحة".
حصة أولى بسطح المنزل
التحضير للحصة التدريبية الأولى كان ببدء نقل بعض المعدات من فناء المنزل إلى السّطح، كيسٌ بلاستيكي بطول مترين، يقول عبد الرّحمن إنه يوازيه وزن 80 كيلوغرامًا أو أكثرَ.
بكل خفة يحمله ويصعد الدرجَ ليصل مكانا واسعٌا، فيه سجادة حمراءُ قديمة يبدو أنها باتت بساط التّدريب خاصته، وحبلُ قفزٍ وقفازانِ يدخلان الخدمة لاحقًا.
يبدأ الدريدي بالإحماء بتقنية القفز على الحبل، ثم حركات أخرى لتليين العضلات وجعلها جاهزة للنزال الافتراضي الذي سيجمع المصارع بالكيس البلاستيكي، قبل المرور إلى الصراع الأرضي.
يتدخل رياض شقيق عبد الرحمن حيث يساعده بأن يوازن وقوف الكيس البلاستيكي لتنفيذ اللكمات والركلات التي تنهال على الكيس من الأعلى والأسفل والمنتصف، فمكان توجيه الضربات لا تدركه إلا بسماع صيحات متلازمة من عبد الرحمن مع كل ركلة أو لكمة.
ينتقل الصراع إلى الأرضية، ويكون عبد الرحمن أمام خصم افتراضي، ففي كل مناسبة يكون التدخل والهجوم بطريقة مختلفة، وكأنه على حلبةٍ حقيقية وأمام منافسٍ لا يراه سواه، حتى أنه يتحدث إليه في كل مرة قبل وبعد الهجوم.
تقنيات عديدة يستعملها في كل مناسبة، يرافق التدريب موسيقى خاصة، فكل لاعبٍ يختارها حسب أهوائه، لكنها جميعًا ترتبط بنمط سريع وصيحات وكلمات تحفيزية لإبقاء المصارع في المنافسة ورفض الهزيمة.
وكل جولة ضدّ الكيس البلاستيكي تستمر من ثلاث دقائق إلى خمسٍ، حسب نوع المواجهة.
خمس جولات هي مدة المواجهة في هذه الرياضة أنهاها الدريدي بمنزله في أحد أشهر الأحياء الشعبية التونسية (حي التضامن) بمحافظة منوبة التي لا تبعدُ عن العاصمة إلى كيلومترات قليلة.
بعد الصّراع الذي انتهى بتلف الكيس البلاستيكي الذي سيتطلب إصلاحه، يبدأ عبد الرحمن نوع آخر من الركلات واللكمات في الهواء، أمام منافسٍ وهمي جديد، خفة وقوة متلازمتان، تركيزٌ شديد.
يواصل التمتمة بكلمات يبدو أنها مرتبطة بتنفيذ أنواع من اللكمات أو الركلات أو استعمال المرفق والركبة حسب نوع الضربة الموجهة.
لقاء بعد الإفطار
وعن مسيرته والوضع الحالي الذي فرضته الجائحة، يقول "الدّريدي" إنه اعتاد التّدرب يوميًا بالمنزل، وإنه لا يريد أن يقلل الحجر الصحي أو الصّوم من جاهزيته البدنية.
ويضيف أن أمامه الكثير لتحقيقه في عالم رياضة "إم إم إيه" التي تعرف عليها عام 2011 عبر مدربه عادل حمدي، وهي التي حقق فيها بطولات عديدة على مستويات محلية وعربية وإفريقية، منها بالسعودية (2015) بطلًا للعرب، وفوزه في 2017 بلقب أفضل لاعب "كيك بوكسينغ" أمام بطل إفريقيا مهدي بوعزيز.
بعد الإفطار، يجهز عبد الرحمن عبوة بلاستيكية فيها قدر من المياه بـ"البروتيين"، إذ يقول إنها ضرورية لكل رياضي للحفاظ على لياقته خاصة أن الصوم يأخذ من السعرات الحرارية حيث يتوجب عليه أن يكون جاهزًا في اليوم التالي للتدريب .
تدريب قبل الإمساك
التّدريب الثّاني كان قبل الإمساك بحوالي الساعتين وفيه ينفذ المصارع تدريبات أخرى مغايرة عن الحصة السابقة، إد يجهز وسط فناء المنزل بحبلٍ بلاستيكي متمدد عُلق بقضبان شباكِ النافذةِ الحديدي.
ثم كان تقسيم الساحة إلى خمسة أنحاء، المسافة بينها لا تتجاوز المتر، وضع عند كل جزء اسطوانة رفع أثقال وزن بعضها 25 كيلوغرامًا والبعضٌ الآخر في حدود الأربعين كيلوغرامًا.
ثم بدأ في سلسلة من التمرينات بكل جزء من الساحة على إيقاعات أغاني "الراب" التي تُحفزُّ النسق وتضع الرياضي في أجواء الحلبة أو القفص.
يستمر الأمر هكذا ويعاد التمرين كاملًا ثلاث مرات، قبل اختتام يوم يقول الدريدي إنه يتكرر بشكل دوري.