بصوته العذب وحنجرته الذهبية، ما إن ينتهي الفنان مصطفى الكفارنة من أداء صلاة التراويح مع رفقائه العشرة في مركز الحجر الصحي ببلدة بيت حانون شمال قطاع غزة؛ يتجمعون بحلقة دائرية متباعدة المسافات، ثم يطلق العنان لصوته بإطراب مسامعهم بأغانٍ وأهازيج متنوعة؛ ليكسر بها جمود الروتين داخل الحجر.
الكفارنة الذي استطاع بصوته تخفيف الظروف النفسية للحجر بعيدًا عن الأهل والأحبة خاصة مع اقتراب حلول العيد وحاجة الفرد لمعايدة أقربائه، يستعد هو ورفاقه لاستقبال العيد بطريقة مختلفة.
الساعة الثالثة عصرًا، اصطحبنا الكفارنة عبر عدسة كاميرا "هاتفه" في جولة داخل مركز الحجر، في الخارج كان الممر الفاصل بين الغرف فارغا من أي حركة، الأبواب مغلقة، الجميع هارب من الأجواء الحارة، لكن هذا المشهد يتغير تماما بعد الإفطار وينقلب السكون إلى فرح وغناء وأناشيد، وجلسات شبابية تحت ظلال القمر، يتخللها صلاة قيام الليل والسحور.
وعلى الطرف الآخر من شاشة الهاتف، يقول الكفارنة: "منذ وصولنا قادمين من مصر قبل أسبوع، استقبلنا في الصالة الفلسطينية بمعبر رفح بحفاوة، بمجرد دخولنا الصالة شعرنا بالأمان والسعادة، رأينا التنظيم الجيد بالتباعد بين القادمين، وقُدم لنا وجبة إفطار وكمامات وقفازات ثم نقلنا إلى مركز الحجر في منطقة بيت حانون والذي يضم 500 غرفة".
بعدما دخل إلى غرفته هو الآخر هربا من الأجواء اللاهبة، يفرد ضحكة غطت وجنتيه: "الأجواء هنا رائعة، نحن سعداء كشباب في هذا الحجر (...) بعد الإفطار وصلاة العشاء نصلي التراويح، وأحيانا أقوم بالإمامة ثم أنشد وأغني لهم".
"كفنان أشعر بمسؤولية تجاه زملائي، بأن أستخدم موهبتي التي منحني إياها ربي في إسعاد الآخرين، ورسم البسمة على وجوههم، فهم يحتاجون إلى الغناء في هذه الظروف الصعبة".. يقول.
تسبق كلماته ضحكة عفوية: "حتى إنهم كل عدة دقائق يجبروني على الغناء من جديد وسماع صوتي".
والكفارنة حاصل على المركز الأول في مسابقة "غرد" الإنشادية لعام 2017م على مستوى قطاع غزة، والأول على مستوى 48 ولاية جزائرية في المهرجان الوطني للمواهب الشابة، وهو يدرس الطب البشري بجامعة عين شمس بمصر.
ويقول عن الاستعداد لاستقبال العيد: "بالتأكيد سيكون لدينا برنامج، وسنحضر كعك العيد، والمعمول ونفرد الكراسي ونغني ونتزاور ونفرح".
وفي أثناء سير كفارنة، مر بجانبه الشرطي أحمد عماد، وقد منحنا جزءًا من وقته للحديث عن الأجواء بعدما أبدى سعة صدره وترحيبه في المقابلة بوجه طلق.
ويقول عماد لصحيفة "فلسطين": "مهمتي هنا، منع الاختلاط بين المحجورين، وخدمتهم وتوزيع الطعام عليهم، والبقاء محجورا معهم 21 يوما، تركت بيتي وعائلتي لخدمتهم، حتى أنني لا أشعرهم بأني موظف عسكري بوزارة الداخلية أتعامل كصديق لهم".
بعدما استأذن عماد للانصراف لمتابعة أمور ملء خزانات المياه، علق الكفارنة على دور الشرطي عماد معهم مثنيا عليه: "تتعامل معنا طواقم الشرطة هنا كإخوة، يقوم الشرطي عماد بإيقاظنا للصلوات، وبالإمامة في صلاة العشاء، ومتابعة إجراءات السلامة والتباعد حتى لا ينتقل الفيروس لو أن أحدنا مصاب به، ويحضر لنا المياه وطعام الإفطار والسحور".
ثم يعلق على جودة الطعام واصفا إياه بـ "المميز" من عدة مطاعم، أتدري أنهم يستشيروننا في الطعام الذي نريده، وكذلك الأطقم الطبية تقدم لنا الدواء الذي نحتاج إليه وتسهر على رعايتنا".
للتو فاق محمود القصاص من نومه، ويرى أن مراكز الحجر والغرف أفضل من الحجز في المدارس، قائلا: "هنا لك غرفة منفصلة وسرير مريح وحمام، مما يضمن لك بأن لا تختلط أمورك الشخصية مع الآخرين".