تغطي الضمادات رأس الصياد أحمد أبو عميرة، الملقى على أسرة مجمع الشفاء الطبي لتلقي العلاج اللازم بعد إطلاق زوارق بحرية الاحتلال نيرانها عليه، وإصابته في مكان قاتل.
كان أبو عميرة (26 عامًا) يمخر عباب البحر بقاربٍ صغير مع شقيقه نضال (37 عامًا) ونجله الذي لم يتخطَ الـ15 ربيعًا بعد.
وما إن بدأت رحلة البحث عن أسماك السردين وهم في المنطقة المسموح للصيادين الغزِّيين الإبحار فيها شمال غزة، حتى باغتتهم بارجة حربية إسرائيلية بإطلاق كثيف للنيران، فأصابت رصاصة رأس أحمد مباشرة؛ وأردته فورًا على سطح القارب.
أمام هول المشهد، لم يعرف شقيقه نضال ماذا سيفعل؟، وألقى بنفسه ونجله على سطح القارب ليواري جسديهما من النيران.
كانت النيران المستخدمة أشبه بحزم نارية فالرصاصة الواحدة تحتوي على أكثر من مئة قطعة معدنية كروية الشكل، وما إن تصطدم بالمكان المستهدف حتى تتناثر مسببة ضررًا كبيرًا بكل شيء ممكن أن تصيبه.
كان نضال الذي يعمل صيادًا منذ سنوات طويلة، قد خرج وشقيقه ونجله إلى ميناء غزة فجر الجمعة الماضية، وأبحر بقاربه إلى شمال مدينة غزة، استعدادًا لصيد أسماك السردين.
ويقول لـ"فلسطين"، إنه تواجد في المنطقة "الآمنة جدًا" وليس بعيدًا عن الشاطئ قبل أن تباغتهم البارجة الحربية.
وأضاف نضال؛ جاءت البارجة وداهمت المنطقة التي نصطاد فيها، وتسببت بتمزيق شباك الصيد من خلال "دفاش" البارجة، وتزامن ذلك مع إطلاق للنار بشكل هستيري باتجاه محرك القارب.
وأدى إطلاق النيران، والكلام لنضال، إلى إعطاب المحرك وتوقف القارب في عرض البحر، قبل أن يباشر جنود بحرية الاحتلال بإطلاق النار مجددًا باتجاه أجساد الصيادين والطفل المرافق لهم.
ويقول نضال، إن إطلاق النار كان "زي (مثل) رش المطر، وأصبت بعدد من الكرات الحديدية في أنحاء متفرقة من جسدي، ما زالت تسبب لي الألم الكبير".
أما بالنسبة لشقيقه أحمد، فلا يزال يخضع للعلاج في مجمع الشفاء الطبي، إذ تسبب الرصاص المعدني الكروي الذي أصاب رأسه من الجهة الخلفية، بوصول دماء إلى المخ وتجمدها نظرًا لبقائه أكثر من نصف ساعة ملقى على سطح القارب بعد إصابته.
كما تسببت الإصابة، بفقدان السمع في الـأذن اليمنى بسبب قوة النيران، في مشهد لم يتكرر للمرة الأولى في بحر غزة الذي تستبيحه زوارق الاحتلال وتحول دون صيد وفير للصيادين، ودائمًا ما تعتقل بحرية الاحتلال صيادين وتدمر قواربهم أو تصادرها، وأحيانًا تعدم آخرين بدمٍ بارد.
معاناة لا تنقطع
وهذا ما تحدث عنه مسؤول لجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي زكريا بكر، مبينًا أن بحرية الاحتلال نفذت سلسلة انتهاكات ممنهجة بحق الصيادين الغزِّيين.
وذكر بكر في تصريح لصحيفة "فلسطين"، أنه منذ بداية العام، نفذت بحرية الاحتلال اعتداءات وعمليات ملاحقة ومطاردة مستمرة للصيادين في عرض البحر، وإطلاق نيران وقذائف صاروخية وأعيرة مطاطية، وضخ مياه باتجاه قوارب الصيد، كما اعتقلت عددًا منهم وأصابت آخرين وصادرت قواربهم.
ووصل عدد الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الصيادين، إلى 15 انتهاكًا، خلال يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضييْن، ونتج عنها عمليات اعتقال صيادين ومصادرة قوارب.
وأشار بكر إلى أن الـأهم هنا؛ عمليات الاعتقال التي تتم في ظروف مهينة ومذلة للكرامة الإنسانية يتخللها تجريد الصياد من كامل ملابسه.
وحدثت هذه الانتهاكات قبل وصول جائحة فيروس "كورونا" إلى فلسطين، حتى وصل الأمر إلى التلاعب بمساحة الصيد خلال فبراير 2020، عشر مرات؛ وهذا الرقم الشهري الأعلى منذ أن بدأت بحرية الاحتلال التلاعب بالمساحات البحرية، ما بين توسيع وتقليص وإغلاق. ونبَّه إلى أن 2019، شهد تلاعبا بالمساحات البحرية المسموح الصيد فيها، (26) مرة.
وأكد أن الاحتلال دائمًا يكيف الجرائم بحق الصيادين بحسب المعطيات التي تتوفر لديه سواء كانت ميدانية أو سياسية أو صحية كما حصل بعد جائحة "كورونا"، إذ انه ركز جرائمه في عدة اتجاهات وزاد من عمليات الملاحقة والمطاردة ومنع الصيادين من الوصول الآمن إلى أماكن الصيد.
وذكر أن عمليات المطاردة والملاحقة لقوارب الصيادين تتراوح حاليًا بين (10-15) مرة في اليوم الواحد، في حين يتركز استهداف زوارق وبوارج الاحتلال الحربية، على إطلاق النيران من الرشاشات مباشرة تجاه محركات القوارب.
وبين أنه منذ جائحة "كورونا"، دمر الاحتلال محركات 5 قوارب صيد بشكل كامل.
وفي نفس الوقت، تمنع سلطات الاحتلال إدخال جميع أنواع محركات قوارب الصيد وقطع الغيار الخاصة بها، منذ 2006، في وقت أصبحت فيه (95%) من المحركات بحاجة إلى صيانة دائمة نظرًا لتهالكها.
وتحتاج غزة المحاصرة (300) محرك لقوارب الصيد، لكن في أسواقها لا يوجد محرك واحد أو حتى قطع غيار، كما يقول مسؤول لجان الصيادين، الذي عدَّ أنها أصبحت تشكل "عبئًا آخر" على الصيادين.

