لم يعد مجال للشك بأن (إسرائيل) عازمة على تنفيذ عملية الضم لأجزاء كبيرة من الضفة الفلسطينية، وغور الأردن، وشمال البحر الميت، وأراضٍ فلسطينية أخرى عبر تحديدها لتوقيت ذلك وهو مطلع شهر يوليو/ تموز المقبل على إثر توقيع نتنياهو وغانتس اتفاقًا لتشكيل الحكومة، ما يعد تحولا خطيرا في مسار الأحداث، ودافعًا لإشعال مواجهة جديدة.
هذه الخطوة لها أبعاد خطيرة، منها: الاستيلاء على مزيد من الأراضي، وتقطيع أوصال الضفة، وفرض وقائع جديدة، وترسيم حدود خاصة بالكيان، ومحاولة شرعنة المستوطنات، وجعل المدن الفلسطينية معزولة عن بعضها ما يزيد من معاناة الفلسطينيين، الأمر الذي سيجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية في المستقبل بعد أن أصبحت الضفة كنتونات صغيرة ومتناثرة.
أمام هذا الواقع فإن "القيادة الفلسطينية" مطالبة باتخاذ خطوات عملية لإنقاذ الحالة الفلسطينية من المخاطر المحدقة، وترجمة الأقوال إلى أفعال، وتجاوز جراح الماضي التي خلفها الانقسام، وتبني خيارات ديناميكية فاعلة، والتوقف عن النظام الكلاسيكي في التعبير عن المواقف، فالبلدوزر الإسرائيلي الآن يسير بسرعة ولن يوقفه إلا خطوات حقيقية على الأرض.
فأمامكم الخيار إما بفتح مواجهة شاملة في الضفة، وإطلاق يد المقاومة، والتخلي عن التنسيق الأمني، والتحلّل من كل الاتفاقيات، واتخاذ قرار وطني جريء بإنهاء الانقسام عبر مرسوم يقضي بتنفيذ استحقاقات المصالحة إلى جانب الإنهاء الفوري للعقوبات على غزة، وإلا فإن الموقف سيكون بروتوكوليًا لا يرقى لمستوى قيادة وطنية مسؤولة، وتجعلوا أنفسكم في موضع الاتهام.
فلا يصح أن تبقى القيادة حبيسة الخوف من ردات الفعل الإسرائيلية، ورهينة للوصاية الامريكية، وتخنع للواقع العربي المتردي، تنتظر حلولا سحرية أو تدخلات من الدول للحصول على مزيد من مواقف التضامن والمواساة، أنتم أمام كارثة كبرى أحلت بفلسطين فماذا أنتم فاعلون؟ هل تريدون لهذه السياسات العدوانية أن تمرّ مرور السلام كي يجد الفلسطينيون أنفسهم غرباء في بلادهم وقد ضاقت بهم ديارهم.
وقد عايشنا بكل أسف الموقف الرسمي لقيادة السلطة من نقل السفارة الأمريكية في القدس، وإعلان "صفقة القرن"، وقد كان سقف الأمل كبيرًا فيما يمكن أن تتخذه السلطة في مواجهة هذه المؤامرة التصفوية الخطيرة، لكن سرعان ما تمخض الجبل فولد فأرا، وإذ بنا نشاهد هجمة مرتدة علينا، فقد تعهدت السلطة للأمريكيين والإسرائيليين بمنع اندلاع انتفاضة ثالثة، وشددت من قبضتها الأمنية في الضفة، ومنعت أي مظاهر للاشتباك مع الاحتلال.
لا أدري كيف تقبل قيادة وطنية أن تصبح شاهد زور على جرائم (إسرائيل)؟ ولا أريد مبررات حول بطولات السلطة والغزوات الدبلوماسية التي حققها سيادته، نريد أن تتحركوا قبل فوات الأوان هنا في الميدان وليس هناك في جمهورية الواق واق، وإن كنتم عاجزين فأفسحوا المجال لشعبنا ليقول كلمته، وإلا فإن قبضتكم الأمنية لن تدوم طويلا فحينما تبدأ الأسواط تنهمر على المارد الأسير فإنه سيصيح غاضبا ويكسر الأغلال ويحطم جدار الظلم ولن يوقفه أحد..