وضعت حرب 1948م أوزارها وانجلى غبار المعركة عن ولادة الكيان الصهيوني، وكانت هذه الولادة بمثابة استنبات نبت شيطاني في أرض طيبة لا زالت تلفظ تلك النبتة منذ ولادتها، ولا زالت أيدٍ ظالمة تغرسها كلما لفظتها الأرض، وحتى 4 يونيو 1967 كانت أزمة الكيان الصهيوني المستحكمة، هي كيفية التعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيين في دولة الكيان، التي أنشئت بقرار من الأمم المتحدة قبل عام 67 بتسعة عشر عاماً فقط.
وكانت المحاولات الصهيونية تركز على اجتثاث هذه الجذور الفلسطينية المتشبثة في تربتها بأي وسيلة وذلك للوصول للدولة اليهودية (النقية).
ورغم المذابح والتشريد والظلم المركب الذي مورس ضد هذه الفئة المؤمنة بقضيتها، فشلت الصهيونية في تهجير ما تبقى من الفلسطينيين عن أراضيهم التي عاشوا عليها منذ آلاف السنين.
تغيرت أولويات العدو الصهيوني تماماً بعد احتلال باقي أرض فلسطين التاريخية وأجزاء من لبنان وسوريا ومصر، وأصبح الشغل الشاغل للصهاينة هو كيف يمكن ضم أكبر قدر من هذه الأراضي الشاسعة للكيان الصهيوني، ولكن كانت العقبة الكأداء أمام هذا الحلم الصهيوني، هو الكم الهائل من السكان الموجود على هذه الأرض، فالضم يعني إضافة مزيد من السكان العرب للكيان الصهيوني، بما يعنيه هذا الأمر من اختلال الميزان الديمغرافي لصالح العرب، وبالتالي تلاشي الحلم الصهيوني بإقامة وطن قومي لليهود، واليهود فقط دون سواهم.
وبقيت هذه العقدة تلازم الصهاينة طوال الفترة الماضية وتؤرق صفو أحلامهم، ورغم كل مراهناتهم على الميل الواضح لميزان القوة لصالح الكيان، إلا أن هذه القوة لم تجلب لهم أمناً أو استقراراً، ولم تسعفهم في حل مشكلة تشبث المواطن الفلسطيني بأرضه رغم ترويجهم لمقولة أرض بلا شعب لشعب بلا وطن.
اليوم يحاول الصهاينة بتحالف (نتنياهو غانتس) أن يطبقوا الضم ولكن بفكرة شيطانية سولتها لهم أنفسهم المشوهة بمرض الخوف الدائم من المستقبل المجهول، فقرروا أن يضموا الأرض دون سكانها، فرسموا خريطة مسخ لمعازل سكانية فلسطينية مكتظة لا يرغبون بها، في حين جعلوا من الريف والجبال والسهول مشروعاً لضم الضفة الغربية، في محاولة بائسة لصناعة نوع من الأبرتهايد المطور، فمن جهة يستولون على الأرض ومن جهة أخرى يتخلصون من السكان بزعم أن لهم دولة خاصة بهم.
يقيننا بأن خطتهم هذه ستسقط كما سقطت سابقاتها لسبب واحد فقط، أن الشعب الفلسطيني يقول لا وعندما يقول الفلسطينيون لا فلا قيمة لأي مشاريع أو تسويات أو مفاوضات أو اتفاقيات.
بإمكان الصهيوني أن يضم الأرض بالقوة وهو يستطيع أن يفرض إرادته بما يملكه من آلات الدمار والقهر، ولكن القوة لا تصنع وطناً ولا تثبت حقاً، لذلك لم يسع الصهيوني إلى الضم بالقوة طوال الفترة الماضية ولكن كان يسعى إلى أن ينال فقط كلمة نعم لتسبغ على كيانه شرعية مفقودة، وهذه النعم لا يمكن أن ينطق بها من يملك شرعية الدم والمقاومة، قد يجدها سهلة عند أدعياء الوطنية المصنوعة على عين الاحتلال، لكن هيهات هيهات لما يوعدون عند من يملك شرعية الدم الممزوج بعرق الفلاح، الذي يعرف الأرض وتعرفه، ويعشقها وتعشقه، الذي تتشرب حبها الأرض مع لبن الأمهات، وأصبحت من خصائص جيناتهم التي يتوارثها الفلسطينيون من الآباء والأجداد، بل إن أجيال الفلسطينيين من الأبناء والأحفاد أشد حبًّا وتشبثًا بأرضهم من أسلافهم على عظم ما قدّم أسلافهم من تضحيات، وستبقى فلسطين للفلسطينيين، وما وجود الصهاينة عليها اليوم إلا كطيف شيطاني عابر، يمر عليها كما يمر غبار الصحراء القاحلة على الأرض الطيبة، قد يلوث خضرتها اليانعة حينًا ولكن لا يلبث الغيث أن يهطل فيغسل ما علق بها من ذراته، لتخضرّ من جديد كما عهدناها، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وتبقى الأرض لله يورثها من يشاء من عباده.