فلسطين أون لاين

غزي يغير مفاهيم "العمل الخيري" بتجربة "بنغلاديش"

...
غزة-يحيى اليعقوبي

"لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد"، كثيرة هي المشاريع الإغاثية المعتمدة على توزيع الطرود الإغاثية، وإن كانت تلك المشاريع تقدم مساعدة عاجلة تسد رمق العائلة المحتاجة أيامًا، فإن العائلة سرعان ما تعود إلى حالة الفقر بعد نفاد الطرد، وهذا ما جعل الغزي زكي مدوخ يتأمل المثل الصيني السابق قبل خمسة أعوام ويجعله واقعًا في حياته.

استوحى مدوخ، الذي يعمل مهندسًا، تجربة أخرى من دولة بنغلاديش في النهوض التنموي بالمشاريع الصغيرة فقط محاولًا تغيير مفاهيم العمل الخيري في قطاع غزة، على أمل تبني فكرته على مستوى رسمي وتصبح منهج حياة للقطاع الذي يحاصره الاحتلال منذ 14 سنة.

قبل خمسة أعوام، برزت بذور الفكرة التي وصلت اليوم إلى مليون شيقل، لكن حينها كانت البذرة لا تتجاوز شيقلًا فقط، بعدما تواردت إلى مدوخ وتسعة من أصدقائه فكرة ادخار شيقل من كل واحد منهم مدة شهر، في حواره مع صحيفة "فلسطين" يتحدث عن تلك الانطلاقة، قائلًا بابتسامة ظهرت في صوته: "بعد انقضاء الشهر جمعنا مبلغ 270 شيقلًا، لكننا حرنا في كيفية تصريفها مع اتفاقنا أنها ستقدم لمساعدة أحد المحتاجين".

لا يزال يقف عند تلك المحطة: "في أثناء النقاش والحوار تذكرت المثل الصيني السابق، ووجدنا عالمًا في دولة "بنغلادش" يدعى محمد يونس أحدث تغييرًّا إستراتيجيًّا من دولة فقيرة إلى صاحبة مشاريع بهذه الطريقة، وبدأ يساعد الفقراء بمشاريع صغيرة بنظام القرض الحسن".

"محاربة الاتكالية"

وهكذا أسس مركز "المشروع الخيري الشبابي" وأعلن ولادة فكرة جديدة في العمل الخيري من بداية آيار (مايو) 2015م، وبدأ بحملة لجمع تكاليف المشروع الصغير الأول بتكلفة 800 دولار، ثم استمر على النهج ذاته، وفاز وقتها بجائزة أفضل مركز شبابي على مستوى القطاع بتنظيم من وزارة الشباب والرياضة، تطور تمويل المشروع الواحد إلى 1500 دولار، واليوم وصل عدد المشاريع المنفذة إلى 550 مشروعًا، وبلغت أرصدة المركز مليون شيقل، بفضل السياسة المتبعة في تدوير المال، وبقي المال محفوظًا يمكن استثماره استثمارًا أكبر في مشاريع أخرى.

يفتخر مدوخ بفكرته بالقول: "إن فكرتنا تقوم على نقل الأسر الفقيرة من حالة الاتكالية إلى الاعتماد على النفس، فعندما نعطي مساعدة مالية ينتهي الطرد، بذلك تعود الأسرة إلى الفقر كما أنك لم تغير شيئًا، والاتجاه الأسمى في العمل الخيري الإيجابي أن تصل إلى الأسر المستورة التي تريد أن تعمل وتنتج وتعتمد على نفسها".

لم يكن النجاح في جمع التبرعات وإنشاء الفكرة فقط، بل على الأرض فاقت نسبة نجاح المشاريع الصغيرة 80% وفق عملية بحث، وهذا ما أعطى مدوخ دافعًا إيجابيًّا للاستمرار، وذلك لأسباب عدة يشرحها، أولها أنه عند التسجيل هناك معايير أحدها أن يختار الشخص مشروعه وفق مهاراته، ويرشَد خلال ورشات عمل إلى كيفية تسويق وإنجاح المشروع.

الأمر الثاني -والكلام لمدوخ- المتابعة الدورية مدة عامين، وأنه عندما يستكمل صاحب المشروع سداد آخر دفعة مالية يعد ناجحًا، ويبين أن هناك العديد من المشاريع بدأت صغيرة ثم نجحت وكبرت وطورها المركز.

5 آلاف طلب في 24 ساعة

دليل آخر على نجاح التجربة ورغبة المواطنين بها -كما يقول مدوخ- أنه عندما أُعلن في كانون الآخر (يناير) الماضي فتح باب طلبات التسجيل، استقبل في غضون 24 ساعة خمسة آلاف طلب، يتابع: "هذا يشعرك أن هناك أناسًا يريدون العمل والاعتماد على النفس، ما يجعلنا نجتهد لجلب عدد أكبر من المشاريع".

وفي رمضان انطلق المشروع بحملة "صناع السعادة"، التي بدأها قبل شهر وتستمر لنهاية رمضان، بتنفيذ نحو 50 مشروعًا.