(1)
لا جديد أن يرتكب العدو الصهيوني جرائم في كل يوم وعندما نتحدث عن احتلال صهيوني أنشأته عصابات قتل مأجورة (الهاجاناه، البلماخ، ايتسل أو الأرغون..)؛ لتحقيق مآرب دولٍ (استعمارية أوروبية) اعتلت على بحور من الدماء، وأكوام من الجماجم والأشلاء خلال حربين عالميتين أهلكتا الحرث والنسل وخلافهما..!
وقد تمّ إخراج كيان لهذه العصابات المجرمة في صيغة دولة (إسرائيل) تسربلت بأسمال تاريخٍ مزيف، وتدثرت بثياب ديانةٍ محرَّفة، واكتست بحلة تلمودٍ مختلق..
كيف لا؟!
وهم لا يرون فيمن سواهم إلا أغيارًا لا سبيل عليهم بأن يجترحوا في حقهم كل الموبقات الإنسانية..
لذلك كان من الواجب إدراك أن (صراع الأدمغة والإرادات) أولى خطوات المواجهة المفتوحة مع هذه العصابات المجرمة على جبهتنا، بعد إيماننا بالحق الذي من ضرورته الوطنية معرفة جوهر قضيتنا وطبيعة الصراع؛ فبذلك تتشكل فلسفة الصراع الأمني.
(2)
وبالعودة إلى حادثة الاغتيال التي تمت بحق القائد مازن فقهاء، ليلة 24 مارس؛ والتي تفتح أبواب مرحلة جديدة من الصراع، وإن بأدوات وقواعد اشتباك غير التي كانت تحكم جبهة الصراع مع العدو في ساحة غزة تحديدًا منذ فترة ليست بالقصيرة.
فهذه اللعبة التي ابتدأها العدو، وإنه _حقيقة وإن كانت مؤلمة_ قد سجل بها نقاطًا لصالحه، إلا أنّه يُدرك جيدًا بأنّ المقاومة باصطبارها وتريثها في الرد؛ فإنّها ستخوض معه الصراع في نفس اللعبة وإن بأشكالها المختلفة.
وإنّه من المهم الإشارة إلى أن هذه النوع من الصراع (نزال الإرادات، أو صراع الأدمغة) يتطلب النفس الطويل، والضرب بقوة وسرعة خاطفة في مركز الهدف، مع الاحتفاظ بالسرية، والتمويه في كل مراحله.
وبذلك؛ تعتمد هذه المعادلة أساسًا هامًا وهو الاعتماد على العمل الأمني بشقيه (المعلوماتي، والعملياتي) سبيلًا للنفاذ، وتبتعد كثيرًا عن الظهور الواضح، وإن كانت نتائجها قد تحدث زلزالًا في أوساط معينة، إلا أنّها ستكون أبعد ما تكون عن الحضور الإعلامي فيما يخص الجهات المنفذة (الفاعلة).
(3)
ولكنّ، التوجه لهذا الصراع نحو جبهة الخصم يتطلب أساسًا مهمًا، ألا وهو: تحصين جبهة المقاومة الداخلية خشية تعرضها للكمة أخرى وهذا وارد بقوة..
وذلك؛ بالكشف السريع عن أبعاد العملية التي نالت من المقاومة، وتحديد الأطراف التي تقف خلف هذا الحدث الكبير، وكذا معرفة التكتيكات المستخدمة فيه.. وغير ذلك مما ينكشف به تفاصيل، تفاصيل الجريمة.
وهذا يتطلب تغيير نوعي بل وتحول كبير في بنية مكونات العمل الأمني في القطاع، سواء ما يتعلق بالأجهزة الأمنية الحكومية، أو بأذرع الأمن التابعة لقوى المقاومة والتي تعدّ أكثر براغماتية في استيعاب المتغيرات والتهيؤ لما هو جديد.
وأن يعاد النظر _كذلك_ في الاجراءات الأمنية، والاحتياطات الاحترازية التي تتخذها المقاومة في حماية مقدراتها (قوى بشرية، وموارد مادية، ومعلومات أمنية).
فإذا ما تمت هذه الاجراءات واستقرت على نحو يزيد من الطمأنينة، عندها وفقط يمكن التوجه نحو (جحر الأفعى)، لأنّ انتظار التصدي للكمة أخرى يجعلك منك في دائرة انفعال مستنزف، ويعطي العدو فرصة في أن يعيد اللكمة مرة أخرى.. وهكذا.
لكن، أن تنتقل إلى الفعل، وتسدد لكمة معاكسة في خصمك هو ما سيجعل الموقف متكافئ، وعندها يُحسم الصراع في هذه اللعبة بالنقاط، وليس بالضربة القاضية، وبذلك يكون الفائز الأطول نفسًا، والأصدق عزمًا، والأدق تصويبًا..
(4)
بعد هذه العملية الجبانة أصبحت المقاومة _بالضرورة_ أكبر حرصًا وأكثر حذرًا، وأن ثقتها التي كانت تمنحها للمؤسسات والجهات ولكثير من الشخصيات لا يمكن أن تمنعها في إعادة النظر في هذه العلاقة؛ لتقيمها في ضوء هذا الحدث الكبير..
وقد سمعنا عن وفود كثيرة تتردد وباستمرار على غزة تحت عناوين كثيرة، وإن كان في غالبها إنساني أو حقوقي، وقليل منها كانت تأتي تحت عناوين سياسية، والأقل من كل ذلك عناوين أمنية. غير أن المضمون الأمني لكل هذه العناوين كان هو الأبرز حضورًا، فهذا ما مدركًا لجهات الاختصاص.
لذلك؛ سينبني _في تقديري_ العمل وفق هذا الاعتبار، دون أن تتلبد حالة الهوس الأمني الأجواء، لأنّه بذلك تكون مقتلة للمجتمع عندما يضيق على ما من شأنه التوسيع.
ولهذا توضع دائمًا قواعد تضبط السلوك الأمني، وفق معايير جديدة يفرضها الواقع وضرورته الملحة، بناءً على ما توجبه المهنية والاحتراف الأمني.
(5)
فغــــزة، كانت ولازالت تتمثل في الذهنية الصهيونية (لعنة) تطاردهم وكل الغزاة، ألم تتحدث أسطورتهم المزعومة (شمشون الجبار) عما فعله به (الكنعانيون) في غزة، وقد أوثقوه بالقيود وأنّه لم يفلت من أيديهم إلا بمعجزة؛ ليفر هاربًا..؟!
وهذا ما فعله شارون _يوم ولّى هاربًا ولم يعقب_ في انسحاب أحادي الجانب عام 2005، وقد أدرك معنى مقولة (شيمون بيريز): "أن تتنفس (إسرائيل) الصعداء" يوم سلمت غزة لسلطة الحكم الذاتي المحدود عام 1994.
غزة، اليوم في مشروع المقاومة تعدّ أبرز القلاع التي تشكل هاجسًا أمنيًا مفزعًا للاحتلال، وكل رعاياه الذين استقدمهم أو استنبتهم على أرضنا فلسطين؛ فلا غرابة أن تعمل كل أجهزة العدو الأمنية (الشاباك، والموساد، وشعبة الاستخبارات- أمان) ولا سيما بعد الفشل المعلوماتي الذي كان في الحرب الأخيرة وقد كشف تقرير مراقب الدولة جزءًا من هذا الفشل الذريع..!