فلسطين أون لاين

"من 50 شيقلًا".. قصة ولادة مبادرة "سهام الخير"

...
غزة-يحيى اليعقوبي

لم تتجاوز عقارب الساعة الحادية عشرة صباحًا، حتى انطلق الشاب حسام النحال (37 عامًا) على وجه السرعة بعدما وصلت إليه 11 مناشدة كانت أشبه بنداء عاجل لمرضى سرطان نفد دواؤهم، أو عائلات نام أطفالها دون ما يسد جوع ينخر معدتهم.

بدأ النحال الجولة ضمن مشروع يقوم به حاليًّا بتوزيع مبلغ 50 ألف شيكل عبارة عن زكاة مال أحد الفلسطينيين المغتربين في ألمانيا، أرسلها قبل رمضان لصعوبة أوضاع الناس في غزة، بسبب الحصار، يرافقه شريكه في المبادرة الخيرية محمد الحوت.

حطت رحالهما وسط خان يونس عند بيت عامل يبيع "الكعك"، ولا يستطيع توفير دواء لطفلته مريضة السرطان، ثم دخلا بيتًا ثانيًا لا يوجد به أي من مقومات الحياة الآدمية، وبعدما أصر الرجل أن يدخلهما بيته لم يجدا سوى الطحين، وساعدا بيتًا آخر فيه طفلة مريضة، ورجلًا لم يأكل سوى الخبز والشاي منذ أيام.

وانطلقا نحو غرب خان يونس، وهناك كانت حجارة البيوت تبكي حال ساكنيها، وجد الرضيع "مؤيد" يحتاج إلى حفاظات وحليب ورعاية خاصة، ووالده عاطل عن العمل، يعيشون في غرفة، لا يوجد في بيتهم ثلاجة أو غاز، حتى إنهم يستخدمون موقد غاز مهترئًا من الجيران، غادر المنزل والدعوات تلحقه بعدما استطاع انتزاع ابتسامة من وسط تلك الجراح الغائرة، ثم انطلقا إلى شرق المحافظة، وكانت هناك بيوت مهترئة لزوجات مغتربين.

تعب زائل

بعد ساعات متواصلة، عاد إلى بيته متعبًا، لكن زال حينما غفا على وسادته وقد استجاب للمناشدات، تلك السعادة يعبر عنها في مستهل حديثه، قائلًا: "حينما أعود لبيتي وأجد رسائل ودعوات وصلت إلى هاتفي وصفحتي الشخصية، وقد رسمت البسمة على وجوههم، أنام مرتاحًا إلى أنني وفرت شيئًا حتى لو كان بسيطًا (...) بدأت المشروع الخيري صغيرًا، والآن أصبحت المبادرة بثقة الناس من كبرى الحملات في جنوب القطاع تختص بمحافظتي خان يونس ورفح".

النحال موظف حكومي يعمل في وزارة الداخلية بغزة، ما يدفعه للتطوع في المجال الإغاثي هو الحياة اليومية الصعبة لكثيرين بسبب الحصار، والعائلات التي لا يوجد لها أي مصدر دخل، يضيف: "لا نطلب من أحد جمع التبرعات، بل نعلن حملات ومشاريع ونتفاجأ بحجم التبرعات من أناس لا نعرفهم أصلًا".

لكل شيء بداية، هنا يرحل بصوته إلى فكرة ولادة المبادرة "سهام الخير" عائدًا لتلك النواة: "الفكرة نشأت قبل ثلاث سنوات حينما تواصلت معي عائلة تسكن وسط خان يونس، وكانت بحاجة إلى تعبئة أسطوانة الغاز فقط، فتواصلت مع فاعل خير من مدينة غزة، وسلمت المبلغ الذي أرسله للعائلة، وكتبت على صفحتي يومها أني سعيد أنني لبيت نداء العائلة".

"بعدها زادت المناشدات، وكنت أرسل صور التجهيزات واسم ورقم هاتف الشخص المستفيد لفاعلي الخير، وهكذا أصبحت تصل إلينا مبالغ كبيرة، حتى وصل إلينا في رمضان الماضي فقط 75 ألف دولار" من هنا انطلقت سهام الخير.

مشاريع رمضانية

ثلاثة أعوام مرت على انطلاقة "سهام الخير"، من 50 شيقلًا بدأت واليوم جمعت أكثر من 100 ألف دولار، استفاد منها 5 آلاف عائلة، منهم نحو 300 عائلة من كبار سن وأصحاب أمراض مزمنة يتلقون مساعدات دائمة، أصبح لديها قاعدة بيانات كبيرة تعتمد على لجان الزكاة والجمعيات المختصة من مرضى سرطان ومعاقين، فضلًا عن المناشدات التي تصل إليهم على الصفحة، ويتحقق من صحتها بطرق مختلفة، أهمها الزيارة الميدانية.

مع انطلاق رمضان، بدأت المبادرة تنفيذ ثلاثة مشاريع مركزية: الأول توزيع طرود غذائية، كبيرة الهدف إيصال الطرود التي تضم جميع الأصناف إلى ألف عائلة، كما العام الماضي، والثاني إطفار الصائم وتسعى للوصول إلى العدد نفسه، والثالث مشروع إفطار على الطرقات للمتأخرين خارج البيوت، وفي العشر الأواخر من الشهر الفضيل توزع مساعدات نقدية على مئات العائلات.

في ذاكرته مشاهد ومآس مختلفة رآها بعينه، لكن هذا الموقف لا ينساه، ينبش في تفاصيله: "ذات يوم وصلت إلي مناشدة لطفلة مريضة بالسرطان تدعى يمنى (5 أعوام) تحتاج إلى حفاظات، وحينما وصلت وجدتها نائمة موصولة بها أجهزة تنفس وأنبوبة أكسجين، مجرد ما رأيت الموقف بكيت، فأعطيت والدها كل ما لدي من مال شخصي أو خاص بالمبادرة، وتوليت رعايتها وإرسال المساعدات لها، وبعد أربعة أشهر تقريبًا اتصلت بوالدها لأسأله هل نفدت الحفاظات، فقال لي كلمات هزتني: "ربنا أعطاك عمرها"، بكيت مرة أخرى".