مسلسل "أم هارون" الذي تعرضه الـ mbc ويركز على دور الجالية اليهودية في الكويت، هو مسلسل آخر يتحفنا به "الفن" العربي المعزول عن الثقافة والرسالة والتاريخ، وحتى الجغرافيا، المتبرئ من الأخلاق والباحث عن استرضاء النخب السياسية، بل وخلق أجواء مواتية لاتخاذ قرارات ضد المشروع الفلسطيني من أجل إرضاء نتنياهو، الذي يشكّل استقرارًا آمنًا لقيادات متأرجحة من خلال تزكية الاحتلال لهم لدى الغرب والأمريكان وخدمة للمرحلة الإسرائيلية التطبيعية.
لا يُمكننا الاعتراض على طرح موضوع الجاليات الأخرى في العالم العربي والإسلامي، وحتى لو سلط الضوء على معاناتهم، ولكن من خلال سياق أن تلك الجاليات كانت تشكل جزءًا من نسيج الأمة العربية والإسلامية وتراثها، والتركيز على دورها في المجتمع والاقتصاد، ولكن ليس بطريقة عرض مظلومية لهم تبرر هجرتهم إلى (إسرائيل) وانضمامهم إلى المنظمات اليهودية التي احتلت فلسطين.
إذا كانت "حياة الفهد" قادرة على الحديث عن مظلومية الجاليات، فهلا قارنت بين حياة هذه الجاليات في الدول العربية وبين حياتهم الآن في دولة الاحتلال! يهود الكويت (الذين هم جزء من يهود العراق) وصلوا إلى (إسرائيل)، طلاب جامعات ومثقفين، حياتهم وعلاقتهم الجيدة بالمسلمين في الدول العربية ما زالوا يدفعون ثمنها، فما زال المجتمع الإسرائيلي يشك في يهوديتهم، ما يدفعهم ليكونوا أكثر تطرفًا لإثبات هويتهم، فهل رأت المعاناة التي يعانيها هؤلاء اليهود الآن في (إسرائيل)؟ على الرغم من نسبتهم العددية العالية في المجتمع الإسرائيلي، كم مرة سمعنا عن رئيس حكومة شرقي في دولة الكيان؟! سمعنا عن رئيس دولة شرقي (موشي كتساف) أنهى حياته في السجون، سمعنا عن رئيس أركان شرقي (شاؤول موفاز)، ورغم تطرفه وقتله الرئيس عرفات ولون وجهه الملطخ بدمنا، إلا أنه كان يسمع كل يوم أنه ليس يهوديًا اشكنازيًا؟! ألم يسمع هؤلاء المخرجون وكاتبو الروايات المتعلقة باليهود عن ثورة "الفهود السود" التي قام بها الشرقيون في (إسرائيل) عام 1973، التي كادت تشق الدولة لولا وأد حركتهم تحت مبرر العدو العربي المشترك خلال حرب أكتوبر 1973؟!
أما عن نبذهم في الدول العربية ومحاولة الاحتلال تزوير التاريخ الذي وقع فيه المسلسل ويتلقفه العرب بأفواههم دون عقل، فإن أهم ما يوضح هذه القضية هي "قضية العار" في مصر و"تفجيرات المغرب العربي". قضية العار هي قصة "الموساد" مع اليهود في مصر، وقد سميت في الملفات الإسرائيلية بهذا الاسم كي لا تذكر تفاصيلها: قيام "الموساد" بتفجيرات في عام 1954 ضد مصالح بريطانية من أجل ربطها بالمصريين، والهدف عرقلة الانسحاب البريطاني من مصر، تم كشف مجموعة العملاء التي ضمت 13 يهوديًا مصريًا استغلهم "الموساد".
لم يتوقف جنون "الموساد" عند هذا الحد، فقد تعامل مع المهاجرين اليهود كحيوانات مفترسة يسعى لاستقدامها إلى فلسطين بأيّ ثمن، وقد قام بتفجير سفينة النقل الفرنسية (أس. أس. باتريا) التي كانت تقل 850 مهاجرًا يهودًا قبالة شواطئ حيفا، كانت السلطات البريطانية منعت دخولهم لتجاوز العدد المتفق عليه مع الوكالة اليهودية، وكانت النتيجة غرق 240 يهوديا و12 شرطيا، وذلك في 25 تشرين الثاني 1940، أما باقي الـ 850 فإن الذين أنقذوهم هم العرب سكان حيفا؛ الذين أصبحوا لاحقًا لاجئين طردهم اليهود الذين أنقِذوا على أيديهم!
أما الجالية اليهودية المغربية، فيذكر المؤرخ الإسرائيلي د. يغال بن نون من جامعة بار إيلان - تل أبيب، أنّ جهاز "الموساد" الإسرائيلي أرسل في أوائل الستينيات من القرن الماضي خلية كبيرة، بأمر من القائد أيسر هرئيل، لتنفيذ أعمال إرهابية ضد اليهود، واتهام السلطات المغربية بذلك، لكي تسمح للحركة الصهيونيّة باستجلابهم إلى فلسطين المحتلة. وبحسب البحث الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن رئيس "الموساد" قال إنه من أجل تنفيذ العملية يتحتّم على "الموساد" تقديم "شهداء يهود"!
أخيرًا، السؤال المهم للممثلة الكويتية حياة الفهد: هل دعوتها لطرد الأجانب عندما سمعت بانتشار مرض كورونا يتضمن طرد اليهود أيضًا الموجودين في الكويت أم أن رسالتها الفنية أصبحت في سياق آخر لا علاقة له بالأمة؟