بعد 41 عامًا من توقيع اتفاقية كامب ديفيد، أظهر المسلسل المصري "النهاية" حقيقة وجدان الشعوب العربية كلها، ممثلًا بوجدان الشعب المصري الذي يحلم بنهاية إسرائيل، ويرى أن بقاءها على الأرض العربية رهين موقف يقرر فيه العربي إزالتها عن الوجود، في حرب تحرير القدس، كما جاء في مسلسل النهاية، وهذا الذي أغضب وزارة الخارجية الإسرائيلية التي ترى في اتفاقيات السلام مع العرب عقد قران مقدسًا، يقوم على بقاء إسرائيل قوية أزلية كشرط أساس لبقاء البلاد العربية على قيد الحياة.
الذي أغضب إسرائيل وأزعجها من مسلسل النهاية هو الحقيقة، حقيقة زوال إسرائيل التي لا تقلق الإسرائيليين أنفسهم فحسب، وإنما تبعث الأمل في نفوس العرب كلهم، وقد التقوا على أمنية زوال إسرائيل، خلافًا لما وقع عليه بعض الرؤساء والملوك العرب من اتفاقيات مع الإسرائيليين لا تعكس وجدان الشعوب العربية، وتخالف الإجماع العربي الذي فشلت في اختراقه كل الحملات الإعلامية، والتنظير السياسي عن التطبيع، وعن التواصل بين قادة إسرائيل والقادة العرب، وعن الزيارات السرية والاجتماعات العلنية، وعن الوفود الإسرائيلية التي حطت في مطارات بعض البلاد العربية، وعن المغردين الذين هاجموا الفلسطينيين، فإذا بكل ما سبق أوهام زائفة، وأكاذيب لقادة سياسيين لم يجلبوا لأوطانهم سلامًا، ولم يحققوا لشعوبهم ازدهارًا.
فكرة مسلسل النهاية تقوم على الخيال، حيث يتخيل مؤلف المسلسل عمرو سمير عاطف حياة الإنسان على الأرض بعد مئة عام، وكيف ستتطور الحياة من خلال التكنولوجيا، بحيث يغدو الكثير من المستحيل ممكنًا، ليمارس الإنسان حياته عن طريق اللمس، ويؤدي يوسف الشريف دور البطولة، في المسلسل الذي تجري أحداثه سنة 2120، حيث تحدث المعلم لطلابه عن العدو اللدود للعرب، ولم يقُل دولة إسرائيل بالاسم، ولكن يكفي ذكر العدو اللدود، لتفهم إسرائيل مضمون رسالة المعلم الذي يقول لطلابه: عندما حان الوقت للدول العربية للقضاء على عدوها اللدود، اندلعت الحرب التي سميت حرب تحرير القدس.
وإذا كان الخيال فكرة مستمدة من الواقع، فالخيال عبر التاريخ حفنة قمح صارت في الواقع مرج سنابل، بعدما اقترنت بالعمل، العمل الذي أمد الإنسان بمعظم إبداعاته واختراعاته وإنتاجاته التي يتم تداولها حقيقة بعد أن كانت في لحظة خيالًا، حتى أن فكرة قيام دولة إسرائيل نفسها كانت خيالًا قبل مئة عام، ولكنها صارت بالتآمر والغدر والإرهاب حقيقة يجسدها تراخي الدول العربية ويسندها الدعم الأمريكي.
الاعتراض الإسرائيلي على مسلسل النهاية مرفوض من الشعوب العربية، ومرفوض من الواقع المتغير، ومرفوض من الزمن الذي يحمل للإسرائيليين المفاجآت التي حملها قبل سبعين عامًا ونيف للفلسطينيين؛ الذين طردتهم إسرائيل من بيوتهم وأرضهم ووطنهم، وما زالوا يحلمون، ويتخيلون أنفسهم عائدين إلى بلادهم، وقد رحل عنها الغزاة.