فلسطين أون لاين

الحياة الحديثة تختصر "زمن التحضير" لرمضان

...
غزة- هدى الدلو

مع مرور العصور واختلاف الأزمنة، وأمام متغيرات الحياة ما زال الفلسطينيون يحتفظون ببعض العادات والتقاليد في استقبال الشهر الفضيل، ويتناقلونها جيلًا بعد جيل، فكبار السن ما زالوا يستحضرون الذكريات والعادات، ولا يتركون فرصة إلا ويذكّرون بها أبناءهم، مع أن الجيل الجديد يحاول وضع بصمته بإدخال بعض التحديثات.

عاد رفيق عناية (٦٠عامًا) بذاكرته حيث طفولته الجميلة، لينقل لصحيفة "فلسطين" عادات وتقاليد الفلسطينيين في استقبال شهر رمضان المبارك، قائلًا: "كنا نتحدث عن مجيء رمضان قبل ما يهل بشهر كامل بسبب الوضع الاقتصادي، عن خططنا فيه، وماذا سنفعل، وذلك لفرحتنا بقدومه".

كان الأطفال الذي يصومون في رمضان يعملون قبل قدومه على تحضير قطعة قماش وخياطتها على شكل كيس صغير، لوضع الحاجيات التي يحصلون عليها خلال النهار، وتخبئتها لوقت الأذان.

"أما والدتي (رحمة الله عليها) فكانت تستعد أيضًا لاستقبال رمضان بتجهيز بعض الأكلات الرمضانية المعروفة، ويكون حسب الموسم الذي يحل فيه رمضان، فإذا كان في الشتاء تعمل على تخزين بعض الطبخات الصيفية كالملوخية والبامية بالتجفيف، وعصير الطماطم أيضًا لعدم وجود ثلاجات، وكذلك تحضير بعض العصائر بالطريقة البدائية" يضيف عناية.

ومن العادات والتقاليد الجميلة قبل قدوم رمضان، ذهاب كل رب أسرة مقتدر إلى إحدى العائلات الفقيرة لإبلاغها بأن فطورها طيلة أيام الشهر عنده، إما أن يرسله لها إلى البيت، أو يدعوها إلى تناوله في بيته، وفق حديث المسن عناية.

ويتابع: "في بعض الأحيان كانوا يوزعون من مال زكاتهم على الفقراء حتى يجهزوا أنفسهم من أجل رمضان".

ضاحكًا، يتابع عناية: "لكن العادة الرائعة كانت عند الأطفال، فقبل أيام من ثبوت هلاله كانوا يزعجون الحارة، كل طفل حامل "تنكة" زيت فارغة ويطبل عليها: "اصحى يا نايم اصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم"، ويجهزون الفوانيس من علب الشوكولاتة الكرتون، لنحملها أول ليلة ونجري بها في شوارع الحارة فرحين".

وبسبب قلة ما في يده لم يكن بعض يتمكن من تعليق الزينة استعدادًا لاستقباله، ولكن بعض العائلات كانت تصنع فوانيس ورقية وتلونها ثم تعلقها رمزًا إلى قدوم رمضان، "أما اليوم فكل شيء جاهز ومكلف" يعلق عناية.

وكان ينتظر موعد السحور ليرى المسحراتي، أو يوصي والدته بإيقاظه لرؤيته، يقول: "كنا نحكي عنه "طبالًا"، وكنا نخافه فلا يمكن لنا رؤيته إلا بحضور والدي أو والدتي، وعندما يصل إلى باب البيت نعطيه رغيف الخبز، وبعدها نجتمع على سفرة السحور ثم نذهب إلى المسجد صغارًا وكبارًا".

ولشهر رمضان طقوس تختلف عن الأيام الأخرى، خاصة أول يوم له نكهته الخاصة، فقبل الأذان بساعة كان يذهب برفقة مئات الأطفال والكبار من أجل انتظاره، يتحدث: "هذا المشهد أتذكره في غاية الروعة، وقبل الأذان بخمس دقائق يضيء المؤذن المئذنة، وحين نرى الأنوار قد أضيئت نصرخ كل الأطفال فرحًا وبهجة بصوت واحد، ونغادر جريًا لنصل إلى البيت قبل الأذان، وفي أغلب الأحيان يعلو صوته ونحن في الطريق".

ويرى عناية أن تمسك كثيرين بعادات وتقاليد استقبال شهر رمضان يرجع لترابط الناس، وتمسكها بتراثها.

أما الغزية إنعام البطريخي فتتحدث عن تمسك الفلسطينيين بعاداتهم وتقاليدهم في استقبال الشهر الفضيل، قائلة: "إن والديّ علماني كيفية استقباله بشحذ الهمة لتكثيف العبادة وقراءة القرآن، والتهليل والتكبير، لا متابعة المسلسلات".

وتتذكر والدتها التي كانت تجهز مؤونة رمضان قبل شهر من قدومه، فكلما يتيسر الحال يشترون شيئًا من حاجيات رمضان، أما اليوم فالحال تغير، فليلة رمضان نجد المولات والأسواق تعج بالناس من أجل تجهيز حاجيات السحور وغيرها؛ وفق حديثها إلى صحيفة "فلسطين".

وتشير البطريخي إلى أن بعض الأكلات كان لها حضور قوي على موائد رمضان، كقمر الدين وعرق السوس والخروب.

وفي طفولتها كانت قبل أيام من قدومه، تسأل والدتها يوميًّا كم يومًا متبقيًا ليأتي رمضان، وليلة رؤية هلاله وإعلان ثبوته تصدح المساجد بالتكبيرات والابتهالات معلنة الصيام، ويتجه المسلمون ليؤدوا صلاة التراويح، ويخرج الأطفال حاملين الفوانيس، وهي من التقاليد السارية حت اليوم، إذ يحرص الآباء على شرائها لأبنائهم من أجل إدخال الفرحة على قلوبهم، أو صناعتها كما كان في الماضي.