فلسطين أون لاين

زاد السائرين حتى لا يضيع علينا رمضان

غياب الرؤية، وعندما تغيب هذه الرؤية ويصبح الهدف هو أداء العبادة بأي شكلٍ كانت، فإن ثمرة العبادة لا تكاد تظهر للوجود، ومن ثمَّ يظل العبد في مكانه؛ لا يتقدَّم في مضمار سباق السائرين إلى الله، ولا يجد حلاوة الإيمان ولا يشعر بتحسن ملحوظ في سلوكه، لتكون النتيجة أنك قد تجد أمامك إنسانًا له شخصيتان متناقضتان؛ فقد تجده شخصًا كثير الصلاة والصيام والحج والاعتمار، ومع ذلك تجده لا يؤدي الأمانة، ولا يتحرى الصدق، ويسيء معاملة الآخرين، ويحسدهم على كل خير يبلغهم، يصاب بالهلع والفزع إذا ما تعرَّضت أمواله وممتلكاته أو دنياه لمكروه. هذه المظاهر السلبية وغيرها تدل على أن صاحبها لم يَسْتَفِد من عباداته، ولم يتحسن إيمانه بها، ومن ثم لم ينتج منها الأثر الصحيح الذي من شأنه أن يحييَ القلب ويوجِّه المشاعر نحو الله عز وجل، والسلوك نحو مراضيه. وتأكيدًا لهذا التشخيص، لك أخي القارئ أن تتأمل قوله ﷺ: «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب». فالمقصد من العبادة ليس فقط أداؤها من الناحية الشكلية، بل المهم والأهم هو أداؤها بطريقة تحقق هدفها؛ فإراقة دماء الهَدْي في الحج ليست مقصودة لذاتها، بل المقصود هو زيادة الإيمان والتقوى من خلال أداء هذه الشعيرة ﴿لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ (الحج: من الآية 37). وفي هذا المعنى يقول ابن عباس: «ركعتان مقتصدتان في تفكُّر خير من قيام ليلة بلا تفكر». فالسير إلى الله والقرب منه إنما يكون بالقلوب، مع العلم بأن وسائل ذلك من عبادات مختلفة لا يمكن تجاوزها أو الاستهانة بها، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي تحويلها من وسائل إلى غايات، ومن ثم أداؤها على أي نحو وبصورة شكلية. اسأل واقعنا ولعل الواقع الحالي للمسلمين خير دليل على أن هناك حلقةً مفقودةً بين العبادات وأثرها؛ فعلى الرغم من كثرة عدد المصلين في المساجد، وعلى الرغم من كثرة المتطوعين بالصيام والصدقات، والمتنفلين بالحج والعمرات، لكننا لا نرى الأثر المتوقع لهذه العبادات؛ فما أسهل أن تجد مصليًا يكذب من أجل تحقيق مصلحة أو دفع مضرة! وما أكثر أن تجد قارئًا للقرآن متقنًا لتلاوته يسيء معاملة أهله ويذيقهم الويلات تلو الويلات! وما أكثر وما أكثر. وجود هذا الانفصال بين العبادات وأثرها مردُّه إلى تعاملٍ غير صحيح مع العبادات يفرغها من مضمونها الحقيقي، ويقصرها فقط على الناحية الشكلية، ولعل من أسباب ذلك: -تسليط الضوء على أحاديث فضائل الأعمال واجتزائها من سياقها العام، وعدم النظر المتكامل لبقية الأمور التي من شأنها تحسين أداء تلك الأعمال. -كذلك سهولة القيام بالطاعات من الناحية الشكلية فقط؛ فالاجتهاد في تحقيق التجاوب القلبي مع البدني يحتاج إلى جهد لا يريد الكثيرون بذله، ومن ثم يستسهلون ذلك التعامل الخاطئ. -ومنها أيضًا: الشعور بالرضا عن النفس وتحقيق الذات بإنجاز (كَمّ) معتبر من العبادات، فكلما أنجز شيئًا شعر بالرضا عن نفسه، وهذا الشعور يدفعه دفعًا إلى الاستمرار في هذا الطريق. وغير ذلك من الأسباب التي أفرزت هذا الوضع الشاذ الذي نعيشه.