في الأول من آذار كانت بداية الانطلاقة للحياة في حفل تخرجٍ أسطوري، كانت سعيدة جداً وذلك الرجل ذو الوجه الوسيم يقف بجانبها بكل فخر، يشاركها لحظة فرحها كيف لا وهو الوحيد الذي يقاسمها هذا الفرح بعد أن تركت أهلها جميعاً وجاءت لترافقه إلى غزة، كان الشهيد "مازن فقها"، الزوج المخلص الحنون الطيب لزوجته "ناهد عصيدة"، فكانت تضحيتها بكل ما تملك من أهل وأصدقاء وذكريات طفولة في بلدتها كافية لترافق هذا الرجل العظيم.
خليل الروح
كانت بداية اللقاء عندما تركت أهلي في مدينة نابلس وجئت للعيش معك في غزة، منذ بداية زواجنا كنت لي الأب والأم والأخ والأخت والرفيقة، لم أشعر ولو للحظة واحدة أنني وحيدة بوجدك جانبي، ولم أندم يوماً على مرافقتي لك.
رأيت حلمي يكبر معك في كل التفاصيل، أنت من شجعتني على إكمال دراستي في الجامعة الإسلامية، أتذكر كم كنت حريص على مساندتي في كل لحظاتي، فأنجبت طفلي الأول محمد، ياه كلما أتذكر فرحتك بهذا الشقي الصغير أبتسم، ثم رزقنا الله بسما لنرى نور الحياة فيها.
حصلت على الامتياز برفقتك وشاركني الجميع الحفل بزغاريد تمنيت أن أسمعها من والدتي، فرأيت فرحتي في بريق عينيك في ابتسامتك الهادئة رأيتك يا سندي فخور بتخرجي.
كانت الحياة تسير ببساطة قبل اغتيالك ورغم أنك كنت تحاول دائماً الحديث عن الشهادة أمامي وأنك قد تفارق الحياة في أي لحظة بسبب طبيعة عملك، لكن وجودك بجانبي كان أفضل نعمة رزقني الله فيها، كنت أطمئن نفسي بأنك بجانبي دائماً أسمع صوتك يناديني، أرى ضحكتك مع صغارك فأنسى الدنيا وما فيها.
ذكرى موجعة
في الرابع والعشرين من آذار هذا التاريخ الموجع، كم أتمنى الآن لو أنه لم يكن موجود، خرجت معك في رحلة جميلة مع أطفالنا شاركتنا ابتسامة الفرح، لعبنا وضحكنا وكأنك أردت أن تودعنا بهذه الصورة يا روح الروح، عدت للمنزل وأنا أحمل في قلبي ألف رسالة شكر على هذا اليوم، تركتك وذهبت إلى منزلنا، وذهبت أنت كي تركن سيارتك خلف المنزل، انتظرتك كثيراً، انتظرت أن تفتح باب منزلنا كالعادة وتنادي صغارك كي يكملوا لعبهم معك ولكنك لم تعُد، طال انتظارك، وجاء خبر استشهادك كالصاعقة رغم كل محاولاتك لإقناعي أنني قد أفقدك قريباً إلا أنني لم أتقبل هذه الصدمة.
كل ما أتمناه الآن أن لا يذهب دمُك يا حبيب الروح سُدى أن لا يكون رخيصاً، فأنت غالي لم تكن يوماً رخيصاً، أريد من الجميع أن لا ينسى قضيتك، أن لا تذهب رقماً كالذين ذهبوا أريد الثأر لي ولأبنائي.
في الحقيقة لا أستطيع أن أقول إلا أن مازن "ضفاوي" أنتظر الثأر من أهلك ممن ضحيت لأجلهم أريد منهم جميعاً أن لا يتوانوا ولو للحظة واحدة عن كشف الحقيقة.
لا أصدق الآن أنني فقدت زوجي المثقف الواعي الحنون الشجاع المعروف بكلمة الحق لدى الجميع، من يتابعك على مواقع التواصل الاجتماعي يعرف اتزانك وعقلك وطريقة تفكيرك التي لم تكن تعجب البعض.
تاريخ لا ينسى
كلما أتذكر هذه التواريخ أعرف بأن هناك شيء يربطني بك فتاريخ ميلادي في 24/8 وتاريخ ميلادك 24/6 واستشهادك في 24/3، أنا أعلم الآن أنك سعيد جداً لأنك نُلت الشهادة التي كنت تتمناها دائماً، أنا فخورة بك يا مازن وأريد من كل العالم أن يفخر بهذا الشهم الذي دافع عن أرضه ورحل عن مدينته وأكمل مشاور مقاومته رغم كل الشيء، لم يستمع للتهديدات ولا لشيء لأنه أحب الوطن، أفلا يستحق أن يبحث أبناء وطنه عن قاتله.
كنت أعرف أنني في أي لحظة قد أفقدك يا خليل الروح ولكنني كنت أتخيل كل الأشياء حربٌ أو حتى استهداف ولكنني أبداً لم أكن أتخيل بأنك ستموت بهذا الغدر، كم أشعر بالقهر على هذه الطريقة، الآن رحلت كما تمنيت ولك الجنة بإذن الله.
زغاريد الوداع
لا أنكر لك فضلك أبداً في تعليمي الكثير من الأشياء لقد تعلمت منك يا مازن الصبر تعلمت أشياء لو أردت تدوينها في كتاب فلن يعطيها حقها، كنت كل حياتي في غزة التي لا أعرف أحد فيها واليوم باستشهادك فقدت كل حياتي.
كنت قد طلبت من جميع الأمهات في حفل تخرجي أن يزغرودوا لي ويكرروها فرحاً بنجاحي واليوم أطلب منهم جميعاً أن أسمع صوت الزغاريد فرحاً باستشهادك، فأنت لا يليق بك يا درة القلب إلا الفرح.